وأعراضكم إلا بحقها ولا قوة إلا بالله (?). ففي هذه الخطبة يُذكر عمر بن عبد العزيز المسلمين بقرب يوم القيامة، فإن من وافته منيته قامت قيامته، فلينظر إلى الموت الذي قد يفاجئه في أية لحظة، وحينها لا يستطيع أن يعتذر من أعماله السيئة التي سوّد بها صحيفته، ولا يستطيع أن يستزيد من عمل صالح بيضّ به صحيفته، ويندم حينما لا ينفع الندم على ما فاته في حياته يوم أن كان قادراً على التوبة النصوح والتزود بالعمل الصالح، ثم يبين أن السلامة كل السلامة من إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان لأحد عنصري العمل الصالح وهم الإخلاص لله تعالى ومتابعة السنة، وهو بهذا يعالج واقعاً لا ينقص العمل فيه الإخلاص وإنما ينقصه إتباع السنة، حيث فشت البدع بعد انقراض عهد الصحابة رضي الله عنهم، وفساد بعض الولاة الذين يحاربون بعض السنن التي لا تتفق مع أهوائهم، ثم بين أحد العواصم التي تعصم من انتشار البدع وفساد أمور الأمة حيث قال: ولا طاعة لمخلوق في معصية الله.

فإذا كان بعض الولاة قد تسوّل لهم نفوسهم الأمارة بالسوء أو مجاملة الآخرين بأن يأمروا الناس بمعصية الله، أو يمهدوا السبل لذلك، فأنه لا طاعة لهم، وبهذا ينقطع سبب مهم من أسباب سريان تلك المخالفات وهو ما لولاة الأمر من طاعة على الأمة، فإذا تحددت هذه الطاعة بطاعة الله تعالى لم يكن لهوى النفوس تأثير على انتشار الفساد في المجتمع وتصبح الكلمة لأهل الإصلاح.

ثم يبين أن ما جرى عليه العرف من اعتبار الهارب من إمامه الظالم عاصياً ليس له اعتبار في النظر الشرعي لأن تصرفه هذا هو أحد الأسباب التي يتخذها للخلاص من الظلم، وأولى من يوصف بالمعصية من وقع منه الظلم، وكون عمر يبين هذا وهو في أعلى موقع من المسئولية ـ كخليفة ـ دليل على تجرده من حظ النفس ومن العصبية للقرابة، وإخلاصه لله تعالى ثم يصف الواقع الاجتماعي الذي اختلطت فيه العادات بالدين والبدع بالسنن، ونشأ عليه أفراد المجتمع، وتربّى على توجيهه من أسلم من العجم، ومن هاجر من الأعراب حتى حسبوه هو الدين، وحينما يختلط العرف الاجتماعي فيتسرب إلى العرف الإسلامي بعض الأعراف الجاهلية فإن ذلك يؤثر على تربية أفراد المجتمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015