ذلك السن والسمت والجمال وطول الصمت.

وقال سهل بن هارون: لو أن رجلين اختطبا أو تحدثا أو احتجَّا أو وصفا وكان أحدهما بهياً، ولباساً جميلاً، وذا حسبٍ، شريفاً، وكان الآخر قليلاً قميئاً باذ الهيئة، دميماً، خامل الذكر، مجهولاً، ثم كان كلامهما في مقدارٍ واحدٍ من البلاغة، وفي ميزانٍ واحدٍ من الصواب= لتصدع عنهما الجمع؛ وعامتهم يقضي للذميم القليل على الجسيم النبيل، وللباذ الهيئة على ذي الهيئة، وشغلهم التعجب عن مساواة صاحبه ولصار التعجب على مساواة صاحبه سبباً للتعجب به، ولصار الإكثار في مدحه علةً للإكثار في الثناء عليه، لأن النفوس كانت له أحقر، ومن بيانه أيأس، ومن حسده أبعد، فلما ظهر منه خلاف ما قدروه تضاعف حسن كلامه في صدورهم، وكبر في عيونهم، لأن الشيء من غير معدنه أغرب، وكلما كان أبعد في الوهم كان أطرف، وكلما كان أطرف كان أعجب، وكلما كان أعجب كان أبدع، فإنما ذلك كبوادر الصبيان، وملح المجانين؛ فإن ضحك السامعين من ذلك أشد، وتعجبهم منه أكثر؛ والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع، وليس بهم في الموجود الزاهر، وفي ما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل، وفي النادر الشاذ، ثم قال: وعلى هذا السبيل يستطرفون القادم إليهم، ويرحلون إلى النازح عنهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015