لسعيه فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ لما قتل مماثله برض رَأسه بَين الحجرين، ورد بِأَن قَتله مماثلة كَانَ قبل تَحْرِيم الْمثلَة، فَلَمَّا حرمت نسخت، فَكَانَ الْقَتْل بعد ذَلِك بِالسَّيْفِ. وَفِيه: بَيَان أَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ عِنْد من يعْتد بإجماعه. وَفِيه: خلاف شَاذ. وَفِيه: قتل الْكَافِر بِالْمُسلمِ، وَالله أعلم.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من رد أَمر السَّفِيه، وَهُوَ ضد: الرشيد وَهُوَ الَّذِي يصلح دينه ودنياه، وَالسَّفِيه هُوَ الَّذِي يعْمل بِخِلَاف مُوجب الشَّرْع، وَيتبع هَوَاهُ ويتصرف لَا لغَرَض، أَو لغَرَض لَا يعده الْعُقَلَاء من أهل الدّيانَة غَرضا، مثل دفع المَال إِلَى الْمُغنِي واللعاب وَشِرَاء الْحمام الطيارة بِثمن غال وَغير ذَلِك. قَوْله: (والضعيف الْعقل) أَعم من السَّفِيه. قَوْله: (وَإِن لم يكن) وأصل بِمَا قبله: يَعْنِي: حجر الإِمَام عَلَيْهِ أَو لم يحْجر، فَإِن بَعضهم يرد تصرف السَّفِيه مُطلقًا، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم أَيْضا، وَعند أصبغ: لَا يرد عَلَيْهِ إلاَّ إِذا ظهر سفهه، وَقَالَ غَيرهمَا من الْمَالِكِيَّة: لَا يرد مُطلقًا إلاَّ مَا تصرف فِيهِ بعد الْحجر، وَبِه قَالَت الشَّافِعِيَّة، وَعند أبي حنيفَة: لَا يحْجر بِسَبَب سفه وَلَا يرد تصرفه مُطلقًا، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يحْجر عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَات لَا تصح مَعَ الْهزْل: كَالْبيع وَالْهِبَة وَالْإِجَارَة وَالصَّدَََقَة، وَلَا يحْجر عَلَيْهِ فِي غَيرهَا، كَالطَّلَاقِ وَنَحْوه، وَقَالَ الشَّافِعِي: يحْجر عَلَيْهِ فِي الْكل وَلَا يحْجر عَلَيْهِ أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة بِسَبَب غَفلَة وَهُوَ عَاقل غير مُفسد، وَلَا يَقْصِدهُ وَلكنه لَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفَات الرابحة، وَعِنْدَهُمَا يحْجر عَلَيْهِ كالسفيه.
ويُذْكَرُ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ردَّ علَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ ثُمَّ نَهَاهُ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب بيع المزايدة مَوْصُولا عَن جاب بن عبد الله: أَن رجلا أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر فَاحْتَاجَ الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْصُولا، أَيْضا، وَلَفظه: أعتق رجل من بني عذرة عبدا لَهُ عَن دبر، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَلَك مَال غَيره؟ قَالَ: لَا. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله الْعَدوي بثمانمائة دِرْهَم، فجَاء بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَفعهَا إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إبدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، فَإِن فضل شَيْء فلأهلك، فَإِن فضل عَن أهلك شَيْء فلذي قرابتك فَإِن فضل عَن ذِي قرابتك شَيْء، فَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُول: بَين يَديك وَعَن يَمِينك وشمالك. فَإِن قلت: الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي الْبَاب الْمَذْكُور صَحِيح، فَكيف ذكر هُنَا بِصِيغَة التمريض؟ قلت: هَذَا الْمِقْدَار الَّذِي ذكره هُنَا لَيْسَ على شَرطه، فَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض، وَمن عَادَته غَالِبا أَنه لَا يجْزم إلاَّ مَا كَانَ على شَرطه، فَإِن قلت: مَا الْمُطَابقَة بَين هَذَا الْمُعَلق والترجمة؟ قلت: هِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا رد على الْمُتَصَدّق الْمَذْكُور صدقته مَعَ احْتِيَاجه إِلَيْهَا لأجل ضعف عقله، لِأَنَّهُ لَيْسَ من مُقْتَضى الْعقل أَن يكون الشَّخْص مُحْتَاجا فَيتَصَدَّق على غَيره، فَلذَلِك أَمر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَن يتَصَدَّق على نَفسه أَولا، ثمَّ: إِن فضل من ذَلِك شَيْء فَيتَصَدَّق بِهِ على أَهله، فَإِن فضل شَيْء فَيتَصَدَّق بِهِ على قرَابَته، فَإِن فضل شَيْء يتَصَدَّق بِهِ على من شَاءَ من غير هَؤُلَاءِ. قَوْله: (رد على الْمُتَصَدّق) أَي: رد على الْمُتَصَدّق الْمَذْكُور فِي حَدِيث جَابر: صدقته مَعَ احْتِيَاجه إِلَيْهَا. قَوْله: (ثمَّ نَهَاهُ) أَي: عَن مثل هَذِه الصَّدَقَة بعد ذَلِك.
وَقَالَ مالِكٌ إذَا كانَ لِرَجُلٍ علَى رجُلٍ مالٌ ولَهُ عَبْدٌ لَا شيْءَ لَهُ غَيْرُهُ فأعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ
هَكَذَا ذكره مَالك فِي (موطئِهِ) أخرجه عَنهُ عبد الله بن وهب، واستنبط مَالك ذَلِك عَن قَضِيَّة الْمُدبر الَّذِي بَاعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صَاحبه، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي السَّفِيه قبل الحكم: هَل ترد عقوده؟ فَاخْتَارَ البُخَارِيّ ردهَا، واستدلَّ بِحَدِيث الْمُدبر، وَذكر قَول مَالك فِي رد عتق الْمديَان قبل الْحجر إِذا أحَاط الدّين بِمَالِه، وَيلْزم مَالِكًا رد أَفعَال سَفِيه الْحَال لِأَن الْحجر فِي السَّفِيه والمديان مطرد.
ومنْ باعَ عَلى الضَّعِيفِ ونَحْوِهِ فَدَفَعَ ثَمنَهُ إلَيْهِ وأمَرَهُ بالإصْلاحِ والقِيامِ بِشَأنِهِ فإنْ أفْسَدَ