إلَيْكُمَا فأقضي بَيْنكُمَا، فَخرج إِلَيْهِمَا مُشْتَمِلًا على سَيْفه، فَضرب الَّذِي قَالَ: ردنا إِلَى عمر، فَقتله وَأدبر الآخر فَارًّا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! قتل عمر وَالله صَاحِبي، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْجَزته لَقَتَلَنِي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كنت أَظن أَن يجترىء عمر على قتل رجل مُؤمن. فَأنْزل الله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ ... } (النِّسَاء: 56) . الْآيَة، فَهدر دم ذَلِك الرجل وبرىء عمر من قَتله، فكره الله أَن يسن ذَلِك بعد فَقَالَ: {وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم} إِلَى قَوْله: {وَأَشد تثبيتاً} (النِّسَاء: 66) . وَكَذَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود بِهِ، قَالَ ابْن كثير: وَهُوَ أثر غَرِيب ومرسل، وَابْن لَهِيعَة ضَعِيف.
طَرِيق أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن دُحَيْم فِي (تَفْسِيره) : حَدثنَا شُعَيْب بن شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا عتبَة بن ضَمرَة حَدثنِي أبي: أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى للمحق على الْمُبْطل، فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ: لَا أرْضى، فَقَالَ صَاحبه: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَن نَذْهَب إِلَى أبي بكر الصّديق،؟ ، وَقد ذَهَبا إِلَيْهِ فَقَالَ الَّذِي قضي لَهُ: قد اختصمنا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقضي لي، فَقَالَ أَبُو بكر: فأنتما على مَا قضى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأبى صَاحبه أَن يرضى، قَالَ: فاتيا عمر بن الْخطاب فَأتيَاهُ، فَقَالَ الْمقْضِي لَهُ: قد اختصمنا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى لي عَلَيْهِ فَأبى أَن يرضى، ثمَّ أَتَيْنَا أَبَا بكر فَقَالَ: أَنْتُمَا على مَا قضى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأبى أَن يرضى، فَسَأَلَهُ عمر، فَقَالَ كَذَلِك، فَدخل عمر منزله وَخرج وَالسيف فِي يَده قد سَله، فَضرب بِهِ رَأس الَّذِي أَبى أَن يرضى فَقتله، فَأنْزل الله {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ} (النِّسَاء: 56) . إِلَى آخر الْآيَة.
قَوْله: {فَلَا وَرَبك} (النِّسَاء: 56) . أَي: لَيْسَ الْأَمر كَمَا يَزْعمُونَ أَنهم آمنُوا وهم يخالفون حكمك، ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم فَقَالَ: لَا يُؤمنُونَ، وَقيل: هِيَ مُتَّصِلَة بِقصَّة الْيَهُودِيّ. قَوْله: {فِيمَا شجر بَينهم} (النِّسَاء: 56) . أَي: اخْتلف وَاخْتَلَطَ من أَمرهم والتبس عَلَيْهِم حكمه، وَمِنْه الشّجر لاخْتِلَاف أغصانه. قَوْله: {حرجاً} (النِّسَاء: 56) . أَي: شكا وضيقاً. قَوْله: {ويسلموا تَسْلِيمًا} (النِّسَاء: 56) . أَي: فِيمَا أَمرتهم بِهِ وَلَا يعارضوه، ودلت الْآيَة على أَن من لم يرض بِحكم الرَّسُول فَهُوَ غير مُؤمن.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن مَاء الأودية الَّتِي لم تستنبط بِعَمَل فِيهَا مُبَاح، وَمن سبق إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ. وَفِيه: أَن أهل الشّرْب الْأَعْلَى يقدَّم على من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ وَيحبس الأول المَاء حَتَّى يبلغ إِلَى جِدَار حَائِطه، ثمَّ يُرْسل المَاء إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ فيسقي كَذَلِك وَيحبس المَاء كَذَلِك، ثمَّ يُرْسِلهُ إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ، وَهَكَذَا، وَفِي حَدِيث الْبَاب: إحبس المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الَّذِي أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي سبل المهزور أَن يمسك حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ. ثمَّ يُرْسل الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل، والمهزور بالزاي ثمَّ بالراء وَادي بني قُرَيْظَة، قَالَه ابْن الْأَثِير، وَفِي حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الَّذِي أخرجه ابْن مَاجَه عَنهُ قَالَ: إِن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قضى فِي شرب النّخل من السَّيْل: أَن الْأَعْلَى يشرب قبل الْأَسْفَل وَيتْرك المَاء فِيهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يُرْسل المَاء إِلَى أَسْفَل الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِي الحواشط، وَفِي حَدِيث ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ الَّذِي أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا عَنهُ، قَالَ: قضى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سيل مهزور الْأَعْلَى قبل الْأَسْفَل. فيسقي الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ، وَقَالَ الرَّافِعِيّ لَا مُخَالفَة بَين التَّقْدِيرَيْنِ، لِأَن المَاء إِذا بلغ الكعب بلغ أصل الْجِدَار، وَقَالَ ابْن شهَاب: فقدرت الْأَنْصَار وَالنَّاس قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إسق يَا زبير ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر، كَانَ ذَلِك إِلَى الْكَعْبَيْنِ على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ: لَيْسَ التَّقْدِير بِالْبُلُوغِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ على عُمُوم الْأَزْمَان والبلدان، لِأَنَّهُ يَدُور بِالْحَاجةِ، وَالْحَاجة تخْتَلف باخْتلَاف الأَرْض، وباختلاف مَا فِيهَا من زرع وَشَجر وبوقت الزِّرَاعَة وَوقت السَّقْي وَحمل بعض الْفُقَهَاء الْمُتَأَخِّرين قَول الْفُقَهَاء فِي أَنه: يسْقِي الأول أرضه ثمَّ يُرْسِلهُ إِلَى الثَّانِي ثمَّ يُرْسِلهُ إِلَى الثَّالِث أَن المُرَاد بِالْأولِ من تقدم إحياؤه، وَبِالثَّانِي الَّذِي أحيى بعد الأول، وَهَكَذَا قَالَه صَاحب الْمُهِمَّات، وَحمل كَلَام الرَّافِعِيّ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَيْسَ المُرَاد الْأَقْرَب إِلَى أصل النَّهر فَالْأَقْرَب لَا بِالسَّبقِ، فَلذَلِك اعتبرناه انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء وَلَيْسَ مُرَاد الرَّافِعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء بِالْأولِ الَّذِي هُوَ أقرب إِلَى أصل المَاء، لأَنا إِذا اعْتبرنَا هَذَا يضيع حق الأول، وَذَلِكَ لِأَن المَاء إِذا نزل من علو فَلم يسق الأول حَتَّى نزل المَاء إِلَى الْأَسْفَل وَسَقَى بِهِ الْأَسْفَل، وَبعد ذَلِك كَيفَ يعود المَاء إِلَى الأول