من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ من: أسْقى يسْقِي إسقاء، وَقَالَ بَعضهم: حكى ابْن التِّين بِهَمْزَة قطع من الرباعي. قلت: هَذَا لَيْسَ بمصطلح فَلَا يُقَال: رباعي إلاَّ لكلمة أصُول حروفها أَرْبَعَة أحرف، وَسَقَى ثلاثي مُجَرّد، فَلَمَّا زيد فِيهِ الْألف صَار ثلاثياً مزيداً فِيهِ. قَوْله: (إِن كَانَ ابْن عَمَّتك) ، بِفَتْح همزَة: أَن، وَأَصله: لِأَن كَانَ فَحذف اللَّام، وَمثل هَذَا كثير، وَالتَّقْدِير: حكمت لَهُ بالتقديم لأجل أَنه ابْن عَمَّتك؟ وَكَانَت أم الزبير صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَهِي عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن مَالك: يجوز فِيهِ الْفَتْح وَالْكَسْر لِأَنَّهَا وَاقعَة بعد كَلَام تَامّ مُعَلل بمضمون مَا صدر بهَا، فَإِذا كسرت قدر قبلهَا ألفا، وَإِذا فتحت قدر اللَّام قبلهَا، وَقد ثَبت الْوَجْهَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {نَدْعُوهُ إِنَّه هُوَ الْبر الرَّحِيم} (الطّور: 82) . بِالْفَتْح، قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ، وَقَالَ بَعضهم: وَحكى الْكرْمَانِي: إِن كَانَ، بِكَسْر الْهمزَة على أَنَّهَا شَرْطِيَّة، وَالْجَوَاب مَحْذُوف، قَالَ: وَلَا أعرف هَذِه الرِّوَايَة، نعم وَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، فَقَالَ: إعدل يَا رَسُول الله، وَإِن كَانَ ابْن عَمَّتك؟ وَالظَّاهِر أَن هَذِه بِالْكَسْرِ. انْتهى. قلت: لم يذكر الْكرْمَانِي هَذَا فِي شَرحه، وَإِن ذكره فَلهُ وَجه موجه يدل عَلَيْهِ رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، لِأَن: إِن، فِيهَا بِالْكَسْرِ جزما فَلَا يحْتَاج إلاَّ أَن يُقَال: وَالظَّاهِر أَن هَذِه بِالْكَسْرِ، وَأَيْضًا عدم مَعْرفَته بِهَذِهِ الرِّوَايَة لَا يسْتَلْزم الْعَدَم مُطلقًا. فَافْهَم. قَوْله: (فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: تغير، وَهَذَا كِنَايَة عَن الْغَضَب، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق: حَتَّى عرفنَا أَن قد سَاءَهُ مَا قَالَ. قَوْله: (ثمَّ احْبِسْ المَاء) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أمسك المَاء، بل أمسك نَفسك عَن السَّقْي حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر، أَي: حَتَّى يصير إِلَيْهِ، والجدر، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة، وَهُوَ: جر الْجِدَار الَّذِي هُوَ الْحَائِل بَين المشارب وَهُوَ الحواجز الَّتِي تحبس المَاء. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: وَرَوَاهُ بَعضهم حَتَّى يبلغ الْجدر، بِضَم الْجِيم وَالدَّال: جمع جِدَار، وَقَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي أَكثر الرِّوَايَات بِفَتْح الدَّال، وَفِي بَعْضهَا بِالسُّكُونِ، وَهُوَ الَّذِي فِي اللُّغَة، وَهُوَ أصل الْحَائِط. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يَقع فِي الرِّوَايَة إلاَّ بِالسُّكُونِ، وَالْمعْنَى: أَن يصل المَاء إِلَى أصُول النّخل، قَالَ: ويروى بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الْجِدَار، وَالْمرَاد بِهِ: جدران الشربات، وَهِي الْحفر الَّتِي تحفر فِي أصُول النّخل، والشربات، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة: جمع شربة بالفتحات، قَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ حَوْض يكون فِي أصل النَّخْلَة وحولها يمْلَأ بِمَاء لتشربه، وَحكى الْخطابِيّ: الجذر، بِسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهُوَ جذر الْحساب، وَالْمعْنَى: حَتَّى يبلغ تَمام الشّرْب. قَوْله: (فَقَالَ الزبير: وَالله إِنِّي لأحسب هَذِه الْآيَة نزلت فِي ذَلِك: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} (النِّسَاء: 56) .) . وَزَاد شُعَيْب فِي رِوَايَته: {ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} (النِّسَاء: 56) . قَوْله هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى قَوْله: {فَلَا وَرَبك} (النِّسَاء: 56) . قَوْله: (فِي ذَلِك) أَي: فِيمَا ذكر من أمره مَعَ خَصمه، وَقَالَ بَعضهم: الزبير كَانَ لَا يجْزم بذلك. قلت: قَوْله: وَالله، يَقْتَضِي الْجَزْم وَيرد معنى الظَّن فِي قَوْله: لأحسب، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لأعد هَذِه الْآيَة أَنَّهَا نزلت فِي ذَلِك، وَلَا سِيمَا قَالَ الزبير فِي رِوَايَة ابْن جريج الَّتِي تَأتي عَن قريب: وَالله إِن هَذِه الْآيَة أنزلت فِي ذَلِك، فَانْظُر كَيفَ أكد كَلَامه بالقسم وَبِأَن وَبِالْجُمْلَةِ الإسمية، وَكَيف لَا يكون الْجَزْم بِهَذِهِ المؤكدات مَعَ أَن هَذَا الْقَائِل قَالَ: لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أم سَلمَة عِنْد الطَّبَرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ الْجَزْم بذلك، وَأَنَّهَا نزلت فِي قصَّة الزبير وخصمه.

قلت: رَوَاهُ الواحدي أَيْضا فِي (أَسبَاب النُّزُول) من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة: عَن عَمْرو بن دِينَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن أبي سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن أم سَلمَة: أَن الزبير بن الْعَوام خَاصم رجلا، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير، وَقَالَ الرجل: إِنَّمَا قضى لَهُ لِأَنَّهُ ابْن عمته، فَأنْزل الله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ ... } (النِّسَاء: 56) . الْآيَة. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن دُحَيْم حَدثنَا أَحْمد بن حَازِم حَدثنَا الْفضل بن دُكَيْن حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سَلمَة رجل من آل أبي سَلمَة قَالَ: خَاصم الزبير رجلا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى للزبير، فَقَالَ الرجل: إِنَّمَا قضى لَهُ لِأَنَّهُ ابْن عمته فَنزلت: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ... } (النِّسَاء: 56) . الْآيَة.

وَهنا سَبَب آخر غَرِيب جدا قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عبد الله بن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود، قَالَ: اخْتصم رجلَانِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى بَينهمَا، فَقَالَ الَّذِي قضى عَلَيْهِ: ردنا إِلَى عمر بن الْخطاب، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنطلقا إِلَيْهِ، قَالَ الرجل: يَا ابْن الْخطاب قضى لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا، فَقَالَ: ردنا إِلَى عمر فَرَدَّنَا إِلَيْك، فَقَالَ: أَكَذَلِك؟ فَقَالَ: نعم. فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَكَانكُمَا حَتَّى أخرج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015