(ثمَّ جَاءَ بني حَارِثَة وهم فِي سَنَد الْحرَّة) . أَي: فِي الْجَانِب الْمُرْتَفع مِنْهَا، وَبَنُو حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة بطن مَشْهُور من الْأَوْس وَهُوَ حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس، وَكَانَ بَنو حَارِثَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَبَنُو عبد الْأَشْهَل فِي دَار وَاحِدَة، ثمَّ وَقعت بَينهم الْحَرْب فانهزمت بَنو حَارِثَة إِلَى خَيْبَر فسكنوها، ثمَّ اصْطَلحُوا فَرجع بَنو حَارِثَة فَلم ينزلُوا فِي دَار بني عبد الْأَشْهَل وَسَكنُوا فِي دَارهم هَذِه، وَهِي غربية مشْهد حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن أَنهم خارجون من الْحرم، فَلَمَّا تَأمل مواضعهم رَآهُمْ داخلين فِيهِ، وَهَذَا معنى قَوْله: (ثمَّ الْتفت فَقَالَ بل أَنْتُم فِيهِ) أَي: فِي الْحرم، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: (بل أَنْتُم فِيهِ) أَعَادَهَا تَأْكِيدًا.
وَفِيه من الْفَائِدَة: جَوَاز الْجَزْم بِمَا يغلب على الظَّن وَإِذا تبين أَن الْيَقِين على خِلَافه رَجَعَ عَنهُ.
0781 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنْ أبِيهِ عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ مَا عِنْدَنَا شَيء إلاَّ كِتابُ الله وهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عائِرٍ إلَى كَذا منْ أحْدَثَ فِيها حدَثا أوْ آوَى مُحْدِثا فعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولاَ عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِما فَعَلَيْهِ لَعْنَة الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولاَ عَدْلٌ ومَنْ تَوَلَّى قَوْما بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فعلَيْهِ لَعْنَةُ الله والملاَئِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صرْفٌ ولاَ عَدْلٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْمَدِينَة حرم مَا بَين عائر إِلَى كَذَا) .
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان الْعَنْبَري. الثَّالِث: سُفْيَان الثَّوْريّ. الرَّابِع: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الْخَامِس: إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ. السَّادِس: أَبوهُ يزِيد. السَّابِع: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي ويلقب ببندار، وَكَذَلِكَ شيخ شَيْخه بَصرِي، والبقية كوفيون. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد، وهم: الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وَأَبوهُ يزِيد، وَهَذِه رِوَايَة أَكثر أَصْحَاب الْأَعْمَش عَنهُ، وَخَالفهُم شُعْبَة فَرَوَاهُ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عَليّ.
أخرجه النَّسَائِيّ قَالَ: أخبرنَا بشر بن خَالِد العسكري، قَالَ: أخبرنَا غنْدر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ (عَن الْحَارِث بن سُوَيْد، قَالَ: قيل لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصكم بِشَيْء دون النَّاس عَامَّة، قَالَ: مَا خصنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء لم يخص النَّاس لَيْسَ شَيْئا فِي قرَاب سَيفي هَذَا، فَأخذ صحيفَة فِيهَا شَيْء من أَسْنَان الْإِبِل وفيهَا، أَن الْمَدِينَة حرم مَا بَين ثَوْر إِلَى عير، فَمن أحدث فِيهَا حَدثا وَأَوَى مُحدثا فَإِن عَلَيْهِ لعنة الله، وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرف وَلَا عدل وَذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل، انْتهى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) : وَالصَّوَاب رِوَايَة الثَّوْريّ وَمن تبعه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا عندنَا شَيْء) ، أَي: شَيْء مَكْتُوب من أَحْكَام الشَّرِيعَة، وإلاَّ فَكَانَ عِنْدهم أَشْيَاء من السّنة سوى الْكتاب، لِأَن السّنَن لم تكن مَكْتُوبَة فِي الْكتب فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلَا مدونة فِي الدَّوَاوِين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم فِي بَاب فِي كتاب الْعلم أَنه كَانَ فِي الصَّحِيفَة الْعقل وفكاك الْأَسير، وَهَهُنَا قَالَ: الْمَدِينَة حرم ... إِلَى آخِره؟ قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا لجَوَاز كَون الْكل فِيهَا. فَإِن قلت: مَا سَبَب قولعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. هَذَا؟ قلت: يظْهر ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق قَتَادَة (عَن أبي حسان الْأَعْرَج أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يَأْمر بِالْأَمر فَيُقَال لَهُ: قد فعلنَا، فَيَقُول: صدق الله وَرَسُوله. فَقَالَ لَهُ الأشتر: هَذَا الَّذِي تَقول شَيْء عَهده إِلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: مَا عهد إليَّ شَيْئا خَاصّا دون النَّاس إلاَّ شَيْئا سمعته مِنْهُ، فَهُوَ فِي صحيفَة فِي قرَاب