اليقين الواحد والمصالح المشتركة، تؤجّج المكاسب، ومنطق الربح والخسارة، النزوعَ الفردي، ويصير الولاء للمصلحة الفردية، والتنافس فيها، واليقين متعلقًا بها. وينعكس التنافس في المصلحة على السطح المنظور انتعاشًا فريدًا وغير مسبوق في الإنجازات المادية والمعرفية، غير أنه يؤدي - في سياق الإطار العام من انسحاب الفكرة وفقر القيم - إلى تفكيك وحدة الأمة الداخلية؛ سياسيًا واجتماعيًا، وولادة تيارات اجتماعية وأطروحات حضارية نابعة من الفكرة الحضارية الأم ومنافسة لها، تسهم في تعميق الشك في الفكرة، وخنق اليقين المتهالك.
إن المنافع، كما في الكائن الحي تمامًا، تترك خلفها فضلات؛ هي سلبياتها، وعندما يبلغ دور الوفرة ذروته يكون ذلك إعلانًا بأن فائضًا هائلاً من السلبيات قد تراكم، وسيكفي هذا التراكم لعرقلة تيار الحضارة، وردم مجراه، ليرتد على نفسه فيضانًا يغمر كل شيء، ومؤذنًا بدخول الأمة في حالة انتحار جماعي إرادي وغير واع. وتناضل الحضارة للبقاء مقاومةً تيار السلبيات المتضخّم، حتى تصير الفكرة عبئًا؛ خسارة أو تضحية، ويتعاظم انفصالها عن الإنسان وعن الحياة حتى تعود تجريدًا عسيرًا على التصور والتمثّل، أو خطأ فادحًا واجب التصحيح، وتتعطّل المصلحة أن تكون دافعًا، وتتحول إلى عامل هدم، ومصدر صدام بين قوى الحضارة نفسها إلى أن تذوي المصلحة بدورها فتفتقد الحضارة دافعها، ولا يبقى داخل خزنة اليقين إلا الخبرات المؤلمة .. حينها يخيم اليأس ويُخنق الأمل،