إن " طبقات " ابن سعد كتاب ضخم غزير المادة حاول صاحبه أن يجعله في خمسة عشر مجلدًا يعرض فيها سير المحدثين والأخباريين والنسابين في عصر الرسول والتابعين وعصره الذى عاش فيه. وروى لنا هذه " الطبقات " عن ابن سعد تلميذه الحارث بن أبي أسامة، فلذلك نجد في بعض الفصول بين الحين والحين مثل هذه العبارة: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنْ ُسَعْدٍ»، وهذا يدل على آن راوي النص التلميذ وليس ابن سعد نفسه. وبهذا نعقل سر اكتفاء ابن سعد بتسجيل ما بلغه من الأخبار بدقة بالغة من غير أن يعقب عليها إلا في النادر القليل. وبعض الكتاب كان من رواية الحسن بن فهم تلميذ ابن سعد كَأَنَّ هذين التلميذين تقاسما رواية هذه " الطبقات الكبرى ".
ولقد ملأ ابن سعد سواد الجزئين الأولين بسيرة الرسول، مُمَهِّدًا لذلك بذكر مَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ من الأنبياء، وذكر حواء وإدريس ونوح وإبراهيم وإسماعيل والقرون والسنين بين آدم ومحمد، وذكر تسمية الأنبياء وأنسابهم، وذكر مَنْ وَلَدَ النبي مَنْ وَلَدَ حتى آدم، وأمهات النبي وأجداد النبي قصي وعبد مناف وهاشم وعبد المطلب، وذكر أبيه عبد الله وأمه آمنة بنت وهب حتى يصل إلى مبعث الرسول، ونزول الوحي عليه، ثم يبلغ الحديث عن هجرته، فيصف غزواته واحدة واحدة، ويصف ما وفد عليه من الوفود، ويتحدث بعد ذلك عن الذين كانوا يُفْتُونَ بالمدينة على عهد الرسول، ثم يترجم بعد ذلك للصحابة والتابعين فيملأ بتراجمهم جميعًا، الأجزاء الباقية من " طبقاته " إلا الجزء الأخير الذي عقده للنساء خاصة.