و" الطبقات " ينبغي أن يراعى فيها بالدرجة الأولى عنصر الزمان. وفد تنبه إلى ذلك ابن سعد، فكانت السابقة إلى الإسلام نقطة الانطلاق الزماني، في حديثه عن المهاجرين إلى الحبشة، أو عن البدريين الذين شهدوا وقعة بدر، أو من أسلم قبل فتح مكة، ولهذا بدأ بالمهاجرين البدريين ثم بالأنصار البدريين ثم بمن أسلم قديمًا ولم يشهد بدرًا وإنما هاجر إلى الحبشة أو شهد بَدْرًا، ثم من أسلم قبل فتح مكة وهكذا، ويشبه هذا ما صنعه الخليفة عمر حين دَوَّنَ الدواوين، ولعل ابن سعد راعى فيه من تلقاء نفسه ما صنعه عمر.
على انه لم يغفل كذلك عنصر المكان، فترجم للصحابة على حسب الأمصار التي حلوها، فسمى من كانوا بالمدينة أو مكة أو الطائف أو اليمن أو اليمامة، ومن نزلوا الكوفة، ومن نزلوا البصرة، ومن فضلوا البقاء بالشام أو مصر. ومثل هذا المنهج الزماني المكاني لوحظ أيضًا في " الطبقات " أثناء تراجم التابعين، فقد ترجم لهم في " طبقاته " على هذا النمط نفسه، وتتراجع مدة الطبقة في رأيه خلال عشرين سَنَةً تَقْرِيبًا، وقد جرت بهذا عادة كثير من أصحاب الطبقات ورجال التراجم والسير.
وأهم ما في كتاب " الطبقات " تراجم الصحابة أولاً، وكبار التابعين ثانيًا، لأن هؤلاء هم أقرب الناس إلى عهد الرسول، فكل ما يروى عنهم من المعلومات الدينية والتاريخية يؤخذ به دون تردد. وقد اصطلح ابن سعد على أن يجعل الصحابة خمس طبقات: 1 - طبقة المهاجرين البدريين 2 - طبقة الأنصار البدريين 3 - طبقة الذين أسلموا قديمًا