سَيِّئَ الآثار في النفوس كان مُحَرِّضًا طبيعيًا يغري كُلاًّ من الجانبين بوضع أحاديث في فضائل أحدهما دون الآخر، حتى قال الأديب الشيعي الكبير ابن أبي الحديد: «اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الكَذِبَ فِي أَحَادِيثِ الفَضَائِلِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشِّيعَةِ ... » (?).
والمهم أن الرواية المصحوبة بالإسناد عرفت - أول ما عرفت - في نقل سُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، لما كان لها من أثر في توجيه المسائل الفقهية والتشريعية. ومن عُنِيَ إلى ذلك - في صدر الإسلام - بروايات تتعلق بغير الدين أسند ما نقل كما وسعه الإسناد بألفاظ أقرب ما تكون إلى عفوية الورعين، وأبعد ما تكون عن جفاء اللفظيين من أصحاب الاصطلاح.، وعلى هذا، لم يكن الذين سبقوا إلى وضع مسائل في العربية مِمَّنْ عُدُّوا مؤسسي النحو في نشأته الأولى - بِدْعًا من الصحابة والتابعين الآخرين الذين أسهموا في نقل ما تيسر لهم من أخبار وآثار في مختلف الميادين، لأن أحدًا من هؤلاء وأولئك لم يكن يجد فاصلاً حقيقيًا بين رواة الأخبار بوجه عام ورواة الأحاديث النبوية بوجه خاص.
ونقول مع ذلك: إن التأثير العفوى الطبيعي الذي خَلَّفَهُ الحديث في أصول النحو، يوم فكر القوم في وضع أوائلها، إنما رافق نشأة علم الحديث قبل أن ينضج، فليس لنا أن نبالي فيه، ولا أن نغلو في أبعاده ومراميه، ولكنا - بعد نضج هذا العلم في القرن الثاني، ثم بعد احتراقه في القرن الثالث - مهما نَغْلُ في وصف ما كان للحديث من أثر في النحو وأصوله، وفي مختلف العلوم ومناهجها،