«كُنَّا نَأْتِي قَتَادَةَ فَيَقُولُ: بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ. وَلا يَكَاد يُسْنِدُ. فَلَمَّا قَدِمَ حَمَّادُ بْنُ أبي سُلَيْمَانَ البَصْرَةَ جَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ. فَبَلَغَ قَتَادَةَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سَأَلْتُ مُطَرِّفًا وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ. وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَ بِالإِسْنَادِ».
وظاهر هذا الخبر: أن قتادة ما أخبر بالإسناد إلا بعد أن أصابته عدوى حماد بن أبي سليمان لدى مقدمه البصرة، وفحوى هذا الخبر: أن كثيرًا من التابعين غير حماد بن أبي سليمان كانوا في أمصارهم يسندون، وهذا هو الذي نهضت به الحجة وقام عليه الدليل.
والحق أنه لم يكن بد للقوم من مُحَرِّضٍ يغريهم بإسناد الروايات أو السؤال عن إسنادها، وما كان إلى هذا الإغراء من حاجة في زمن الرسول ولا الصحابة الأولين، لأن القوم كانوا يصدق بعضهم بعضًا، ولا يكاد واحد منهم يتهم أحدًا، وإنما «كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الهِجْرَةِ هِيَ الحَدُّ الفَاصِلُ بَيْنَ صَفَاءِ السُنّةِ وَخُلُوصِهَا مِنَ الكَذِبِ وَالوَضْعِ، وَبَيْنَ التَزَيُّدِ فَيهَا وَاتِّخَاذِهَا وَسِيلَةً لِخِدْمَةِ الأَغْرَاضِ السِّيَاسِيَّةِ وَالاِنْقِسَامَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ اتَّخَذَ الخِلاَفُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ شَكْلاً حَرْبِيًّا سَالَتْ بِهِ دِمَاءٌ وَأُزْهِقَتْ مِنْهُ أَرْوَاحٌ» (?). فبعد أن وقعت هذه الفتنة بدأ الناس يسألون عن الإسناد، «فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أُخِذُوا حَدِيثَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدْعَةِ تُرِكُوا حَدِيثَهُ» (?)، لأن ما تركته الفتنة من