- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي السَنَةِ الأولى للهجرة بإحصاء المسلمين في المدينة رجالاً وأطفالاً، ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا. ورواية " البخاري " في «باب كتابة الإمام للناس» من صحيحه صريحة في أَنَّ هذا الإحصاء كُتِبَ وَدُوِّنَ: فقد قال - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ، فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ» (?).

فإذا رأينا - بعد ذلك - أَنَّ تعويل الصحابة في حفظ الحديث إنما كان على الاستظهار في الصدور لا على الكتابة في السطور، صار لِزَامًا علينا أَنْ نلمس لتعليل ذلك غير الأسباب التقليدية التي يشير إليها الباحثون عادةً كلما عرضوا لهذا الموضوع: فما نستطيع أنْ نتابعهم فيما يزعمونه مِنْ أَنَّ قِلَّةَ التدوين على عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعود بالدرجة الأولى إلى نُدْرَةِ وسائل الكتابة، لأنها لم تك قليلة إلى هذا الحد الذي يبالغ فيه، وهي - على كل حال - قِلَّةٌ نسبية قد تكون أحد العوامل في إهمال الحديث، ولكنها بلا ريب ليست العامل الوحيد، فما منعت ندرة هذه الأدوات صحابة الرسول من تجشم المشاق وركوب الصعاب في كتابة القرآن كله في اللِّخَافِ وَالعُسُبِ وَالأَكْتَافِ وَالأَقْتَابِ وَقِطَعِ الأَدِيمِ (?).

ولو أَنَّ بواعثهم النفسية على تدوين الحديث كانت تضارع بواعثهم على كتابة القرآن حماسة وقوة لاصطنعوا الوسائل لذلك ولم يتركوا سبيلاً إلاَّ سلكوها، بَيْدَ أنهم - من تلقاء أنفسهم وبتوجيه مِنْ نَبِيِّهِمْ - نهجوا في جمع الحديث مَنْهَجًا يختلف كَثِيرًا عن طريقتهم في جمع القرآن.

كانوا من تلقاء أنفسهم منصرفين إلى تَلَقِّي القرآن، مشغولين بجمعه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015