وهو الذي أفرد في " رسالته " فصلاً برمته لتبيان «الحُجَّةِ فِي تَثْبِيتِ خَبَرَ الوَاحِدِ» (?).
وأما مالك بن أنس فحسبك أنه إمام أهل المدينة، دار السنة المشرفة، وأن كتابه " الموطأ " نمط من الفقه على طريقة أهل الحديث. وقد جاء احتجاجه بالحديث عَمَلِيًّا تَطْبِيقِيًّا، فلن تزيده الأقوال المروية عنه في هذا الصدد إيضاحًا ولا تفصيلاً. وكان مالك - على كل حال - يرى أن خبر الآحاد قطعي يوجب العلم والعمل مَعًا (?).
وأما أحمد بن حنبل فـ " مسنده " العظيم في الحديث ينبئ عن مكانة السُنَّةِ العُظْمَى لديه في التشريع، وما من ريب في أنه من أكبر حفاظ الحديث، بل كان الحديث أغلب عليه من الفقه، «فَإِذَا وَجَدَ النَّصَّ أَفْتَى بِمُوجَبِهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا خَالَفَهُ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ» (?).
وإن هذا كله ليؤكد أن كبار الأئمة كانوا يعرفون للحديث مكانته، ويعدونه الأصل الثاني للتشريع، وإنما يختلفون في مدى اطمئنانهم إلى أخبار الآحاد.
ومن لَمْ يَحْتَجَّ بِخَبَرِ الآحَادِ إلا بشروط - كما صنع أبو حنيفة - كان يلتمس العذر لنفسه فيما ورد من آثار عن الصحابة ربما استؤنس