مُقَلِّدِيهِ الذِينَ يُلْزِمُونَ العَمَلَ بِمَا وَجَدُوهُ عَنْ إِمَامِهِمْ مِنَ القِيَاسِ، وَيَتْرُكُونَ الحَدِيثَ الذِي صَحَّ بَعْدَ مَوْتِ الإِمَامِ، فَالإِمَامُ مَعْذُورٌ، وَأَتْبَاعُهُ غَيْرَ مَعْذُورِينَ، وَقَوْلُهُمْ: (إِنَّ إِمَامَنَا لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الحَدِيثِ) لاَ يَنْهَضُ حُجَّةً، لاِحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ أَوْ ظَفَرَ بِهِ لَكِنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ» (?).
وربما عذرنا أبا حنيفة في إدخاله الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما وَرَدِّهِ كَثِيرًا من أخبار الآحاد، إذا عرفنا أن الكذب على سول الله فشا في عهده فُشُوًّا مُخِيفًا، فكان لزامًا على إمام الرأي أن يتشدد في قبول الأحاديث، ويشترط للعمل بأخبار الآحاد شروطًا غَلاَ في بعضها، فحمل الأئمة على انتقاد بعض [مواقفه]، وعلى ذم مذهبه أحيانًا.
وأهم شروطه في هذا الباب ألا يعارض خبرُ الآحاد الأصول المجتمعة بعد استقراء موارد الشرع، وألا يعارض عمومات القرآن وألا يخالف السُنَّةَ المَشْهُورَةَ، سواء أكانت قولية أم فعلية، وألا يخالف العمل المتوارث بين الصحابة والتابعين دون تخصيص بلد، وألا يعول الراوي على خطه ما لم يذكر مرويه، وألا يعمل الراوي بخلاف حديثه، وألا يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاج بالخبر الذي رواه أحدهم، وألا يكون الخبر منفردًا بزيادة، سواء أكانت في المتن أم في السند، وألا يكون مما تعم به البلوى (?).
أما الشافعي فإجلاله للحديث أشهر من أَنْ يُعّرَّفُ بِهِ، فهو القائل: «وَهَلْ لأَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حُجَّةٌ؟ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي» (?).