بالصراخ والعويل، فما يدفع الباطلَ إلا الحق ولا يدفع الشبهاتِ الحوالك إلا حجج واضحة «لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَضِلُّ فِيهَا إِلاَّ هَالِكٌ»!.
وكما عرضنا في كتابنا " مباحث في علوم القرآن " (?) شبهات القوم وطوينا في غضونها رَدَّنَا عليها، أو ردها على نفسها - لِوَهَنِهَا وَتَهَافُتِهَا - عرضنا في «علوم الحديث»، أهم الشبهات، وأتبعناها تحليلاً دقيقًا (ما وسعنا الأمر) لحقائق هذه العلوم كما بسطها علماؤنا الأتقياء الأبرار، فَلَمْ نَرَ حاجة - وقد اتضح هذا كله - إلى عقد فصل مستقل لبحث المشكلة الأساسية التي تشغل بال المستشرقين ومقلديهم في ديارنا، ألا وهي مشكلة اللفظ والمحتوى، أو الشكل والمضمون في الحديث ومصطلحه، بل أرسلنا بحثنا على سجيته، وأجريناه إلى غايته، وجئنا هنا نتحدث في «الخاتمة» متعجبين من هؤلاء الناس الذين يظنون مصطلحنا يقوم على الشكل، ويهمل المضمون، أو كما يقولون: يعنى بالأسانيد ولا يبالي بالمتون، وأقبلنا عليهم وعلى المخدوعين بهم نؤكد أن ما استقيناه من كتب علمائنا في المصطلح (وكدنا والحمد للهِ لا نغفل واحدًا من أمهاتها مطبوعة ومخطوطة) لا يجوز أن يقال فيه أَبَدًا إِنَّهُ عُنِيَ بِالشَّكْلِ، فما اتجهت عنايته إلا إلى المضمون.
ومع أن النظرة الممعنة في غضون كتابنا هذا كافية لإقناع الباحث المنصف بهذه الحقيقة البديهية، نؤثر في هذه الخاتمة أن نردد لمن ألقى السمع وهو شهيد أصداءً حلوة لطائفة من أقوال المحدثين، ونخطط له مرة أخرى بعض مقاييسهم