علم الرعيل الأول من صفوة المسلمين أن في الجهاد فضلًا لا يُضاهَى، وخيرًا لا يتناهى، وأيقنوا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الريَّ الأعظم في شرب كئوس الحتوف، فشمروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا إلى ذوي الكفر والعناد من شتى أصناف العباد، وجهزوا الجيوش والسرايا، وبذلوا في سبيل الله العطايا، وأقرضوا الأموال لمن يضاعفها ويزكيها، ودفعوا سلع النفوس من غير مماطلةٍ لمشتريها، وضربوا الكافرين فوق الأعناق، واستعذبوا من المنية مُرَّ المذاق، وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق، ونشروا أعلام الإسلام في الآفاق.
فِمن ثَمَّ كان في الإشارة إلى بعض مناقبهم، وحسن بلائهم ما عساه يوقظ الهمم الرُّقَّد، ويُنهِضُ العزمَ المُقْعَد، ومن لم تروه الإشارة، وطمحت نفسه إلى الاستزادة، فليطلب ذلك من مظانه المبسوطة، وبالله المستعان.
لقد كان إمامهم الأوحد، ورائدهم الأول في ذلك -بل في كل باب من أبواب الخير- خير من وطئ الحصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم