مرددًا قوله - صلى الله عليه وسلم-: "يا حنظلة ساعة وساعة" كأنه لا يحفظ من القرآن والسنة غيره، يقول الأستاذ الراشد حفظه الله:
[يقف الداعية يؤذن في الناس، ولكن أكثر الناس نيام، ويرى جلد أصحاب الباطل وأهل الريبة وتفانيهم لإمرار خطتهم، فإذا التفت رأى الأمين المسلم سادرًا غافلًا، إلا الذين رحمهم ربهم، وقليل ما هم، ويعود ليفرغ حزنه، في خطاب مع نفسه:
تبلَّدَ في الناس حِسُّ الكفاح ... ومالوا لكسبٍ وعيش رتيب
يكاد يزُعزع مِن همتي ... سُدورُ الأمين، وعزمُ المريب
ويتهم نفسه أنه لم يكن بليغًا في ندائه، ولكن سرعان ما يُحسُّ أنه قد حاز البلاغة من أقطارها، فيعود يسلي نفسه، ويجمل عزاءه:
ومن حرِّ شَدْوي يُرى في الخريف ... طروبًا بصحبتي العندليب
ولكن خُلِقتُ بأرضٍ بها ... نفوسُ العبيد برِقٍّ تطيب
لقد تبدلت موازين البلاغة، وافتقد الجيل الأعمال الكبيرة التي يتمجد بها، فصار -كما يقول الرافعي- "تخترع له الألفاظ الكبيرة ليتلهى بها".
ورغم الفساد فإن الداعية المسلم لن يتخلى عن محاولة انتشال العباد، وإن كل وساوس اليأس من الإصلاح لن تلبث أن تتبدد أمام لحظة انتباه إيماني تُريه مكانته المتوسطة لموكب الإيمان السائر، أخذَ عن السلف، ولا بد أن يسوق له قدر الله خَلَفًا يستلم الأمانة منه، ذلك وعد الله، وإنه لموكب لن ينقطع أبدًا، مضى به القول على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك (?) "] (?).