فالعبرة بالغالب الأكثر، أما القليل أو اليسير فلا يُلتفت إليه كما نص على ذلك علماء القواعد والمقاصد والفوائد، وهذا هو نفسه معنى قوله العلماء: "المصلحة الشرعية غالبة وليست محضة".
فمصلحة من أكل مال الغير غالبة وليست محضة أو خالصة؛ وذلك لأنها لا تخلو من ضرر يسلط على الآكل بالسرقة أو الغصب أو الاحتيال؛ وذلك بإيقاع الألم النفسي أو الحسي في نفسه أو بضمان وإرجاع ما أخذ، وفي كل ذا ضرر واقع على ذاته، وانتفاء لمصلحة هذا الآكل ومنفعته في أخذ مال الغير بلا وجه شرعي.
وكذلك الحال بالنسبة للجاني الذي إذا عوقب فقد يحرم من نفسه، أو عضو من أعضائه، أو من ماله وحريته بموجب القصاص، أو الضمان، أو السجن، أو النفي، أو غير ذلك من الزواجر التي تحدث له بعض الضرر، وتنفي عنه بعض النفع والصلاح.
غير أن هذا الضرر الضئيل إنما هو ضرر جزئي في مقابل درء الضرر الكلي، وهو ضرر مؤد إلى المصالح المعتبرة والمنافع الحقيقية؛ أما منفعة الجاني في جانيته فيه لا تتجاوز أن تكون منفعة وهمية وخيالية ومرجوحة ومعمقة لواقع الفساد، وحدوث الفوضى الاجتماعية، وظهور الافتتان والاقتتال والتنازع الذميم.
وفي مثال الأمر بالطاعات فإن المطيع ظافر بإذن الله بسعادة الدنيا والآخرة وبمصالح لا تحصى من الخير والفائدة في ذاته ومجتمعه، في آله ومآله؛ فمصلحة التعبد معلومة الحقيقة والآثار والنتائج، غير أن ذلك