...
المبحث الثالث عشر: مقصود الشارع والجانب الغالب في المصالح والمفاسد
هل إن المصلحة الشرعية تتسم بصلاحها ونفعها في جميعها وكليتها، أم أن ذلك لصلاح النفع والخير يعود إلى أغلبها وأكثرها؟
ولزيادة التوضيح نورد التمثيل على ذلك؛ لأن المثال يوضح حال؛ فأكل مال الغير ومعاقبة الجاني وغير ذلك، وكذلك أمر المكلف بفعل الطاعات والقربات، كل ذلك مشروع وعائد على المكلف بمصالح كثيرة ومنافع معتبرة.
فمنع أكل المال عائد بمصلحة حفظ المال وصيانته من التلف والضياع، ومعاقبة الجاني لها مصلحته المتعلقة بردع المخالفين وزجر الجناة وقمع الطغاة لحفظ الناس في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم وأمنهم العام والخاص، والأمر بالطاعات والقربات راجع بالخير والسعادة في العاجل والآجل إلى المكلف المطيع المتعبد، كل تلك المصالح معتبرة ومقبولة ومقررة في الشرع، وقد دلت عليها ما لا يحصى من الأدلة والقرائن والمعطيات الشرعية دلالة قطعية ويقينية انتظم بمجموعها اعتبار تلك المصالح وتقريرها والاعتداد بها والتعويل عليها في معاملة الحكم الشرعي فهمًا واستيعابًا وتطبيقًا وتنزيلًا.
غير أن المصالح تظل في حكم الغالب والأكثر، أي أنها لا تَسلَم من شوائب ما يضاد المصلحة ويعارضها من بعض الضرر وبعض الألم الذي يكون في حكم القليل الذي لا يُلتفت إليه، وفي معنى النادر الذي لا يعتد به