الصلاح لا يخلو من بعض الألم والضرر الظاهري الذي قد يعود على المكلف، على نحو ألم مخالف النفس ومعارضتها عند أداء التكليف التي تأباها النفس أحيانًا، كالصوم في الحر والقرّ، والصلاة عند الفجر والعشاء، وبذل المال الذي هو قطعة من الكبد، والجهاد الذي هو بذل النفس والمال العزيزين المرغوبين فكل تلك التكاليف ذات مصالح ومنافع معتبرة ومقبولة في الدنيا والآخرة؛ غير أنها لا تخلو من بعض آلامها وثقلها ومشاقها التي هي في الحقيقة قليلة ونادرة من جهة، وشروط ومسلمات ضرورية لا بد منها في قيام التكليف وصحته من جهة ثانية، ثم إنها هينة وسهلة وميسورة ندما تصدر من المؤمن الصادق والمسلم القوي الذي يدعو ربه خوفًا وطمعًا؛ فهي بهذا الاعتبار تمثل الطريق السوي في تعويد المكلف على مبدأ الامتثال، وتربيته على معاني الصبر والتضحية، ومغالبة النفس، ووضع حد للشهوات والنزوات التي لا حد لها.
فمصالح الدنيا ومفاسد الدنيا غالبة وليست محضة، ودليل ذلك قوله تعالى عن الخمر والميسر: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} 1 فالخمر والميسر مفسدتان عظيمتان من حيث ضياع المال والعقل والنفس؛ ولكنهما منفعتان حقيرتان وقليلتان لصاحب القمار والميسر فيما يكسبه أحيانًا، ولصاحب الخمر فيما يعود إليه من ربح مادي أو نشوة نفسية أو البعد عن بعض الهموم؛ غير أنه يقع في هموم وغموم أخرى لا نهاية ولا حدّ لها.