تقديرات الناس إنه لم يعد ذلك الشخص الذي يستحق تلك التقديرات، وكأن ما يناله من تقدير لا يوجه إليه ومن ثم يفقد ذلك الإحساس الطيب بخيرية شخصيته في نفسه الذي كان يحس به من قبل ويصبح غريبا بين أهله وأحبابه في داخل شعوره الباطني.
ومن هنا يقول الفيلسوف الفرنسي "هنري برجسون" عندما يصف نفسية المجرم وشعوره الباطني عندما يحاول إخفاء جريمته: "فالمجرم في محاولته إخفاء جريمته حتى يقضي على كل معرفة يمكن أن تتطرق إلى نفس إنسان كأنه يحاول أن يبطل الجرم نفسه, وبعد أن يظفر المجرم بإخفاء جريمته عن الناس لا يستطيع أن يخفيها عن نفسه، فهو ما زال يعرف أنه مجرم ومعرفته هنا تنأى به عن المجتمع شيئا فشيئا بعد أن كان يرجو أن يظل فيه بمحو آثار الجريمة، إنه يعرف أن الاحترام الذي كان يوجه إليه الآن إنما يوجه إلى شخصه السابق الذي لم يعد موجودا ويعرف أن المجتمع لا يخاطبه هو بل يخاطب شخصا آخر غيره. إنه يعرف من هو فيعيش بين الناس وهو أكثر عزلة مما لو كان يحيا في جزيرة خالية؛ لأنه في عزلته يحمل معه صورة المجتمع الذي تحف به وتسنده، أما الآن فقد انقطع عن المجتمع وعن صورته معا"1, وقد عبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن عذاب الوجدان وبيَّن كيف أنه يؤدي إلى سقم الجسم فقال: "من ساء خلقه عذب نفسه ومن كثر همه سقم بدنه"2 , وقال أيضا: "من شقاوة ابن آدم سوء الخلق" 3.
هذا في حالة إخفاء الجريمة أما في حالة انكشاف الجريمة فتستمر معه