الحالتان الأخيرتان وهي تأنيب الضمير وشعوره بفقد شخصيته في المجتمع، وأكثر من ذلك فإنه يفقد شخصيته عندئذ في المجتمع ظاهرا وباطنا ولا يجد ذلك التقدير والاحترام الموجهين إليه من الناس, وبذلك يصبح غريبا بين أهله وعشريته ويقول "فيلون الإسكندري": "وربما بدا مظهر الشرير مبتسما مسرورا لكنه في قرارة نفسه يشعر بالفزع من العقاب الذي ينتظره والذي بيَّنه له الضمير"1.
وبخلاف هذه الحالات حالة إنسان لم يرتكب الجرائم والآثام، فإن صفاء وجدانه يجعله يشعر بالابتسامة الدخلية ويشعر في قرارة نفسه بطريقة لاشعورية وبصفة دائمة بالخيرية والسرور المستمر، ومن ثم يؤثر هذا وذاك في سماته الشخصية الظاهرية.
وشتان بين الوجدانين وبين الشخصيتين المجرمة والشخصية الخيرة. وصدق الله العظيم إذ قال: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} 2، فإن الإنسان إذا كان مجرما فاسدا فاجرا يظهر ذلك في سيماه ووجهه, فيصبح وجهه مظلما قاتما واجما عبوسا، وإذا كان خيرا يصبح وجهه باسما ناضرا، وصدق الله العظيم إذ يقول في وصف هؤلاء وأولئك {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ, وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} , وقال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُم} 4, كما يعرف الصالحون بسيماهم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود} 5.