فهمها وما يراد منها، وكانوا في تقدير آرائهم يستندون إلى ملكتهم اللسانية، وملكتهم التشريعية وما وقفوا عليه من حكم التشريع، وأسباب نزول القرآن، وورود السنة، فمن مجموعة هذه الآراء تكون شرح قانوني لنصوص الأحكام يعد أوثق مرجع لتفسيرها وبيان إجمالها، ووجوه تطبيقها، ويتجلى هذا في كتب تفسير القرآن بالمأثور مثل: التفسير المنسوب لابن عباس، وتفسير محمد بن جرير الطبري.

والثاني: عدة فتاوى اجتهادية صدرت من الصحابة في وقائع لا نص على حكمها؛ فإن المجتهدين منهم كانوا إذا لم يجدوا نصًّا في القرآن أو السنة على كم الواقعة المعروضة اجتهدوا لاستنباط حكمها بطريق من طرق الاستنباط؛ وبهذا الاستنباط شرعوا أحكاما كثيرة في وقائع عديدة في مختلف البلدان، وكان الفتاوى التي صدرت في أول عهدهم لها صبغة غير الصبغة التي للفتاوى الني صدرت منهم بعد ذلك؛ لأن الأولى في الغالب صدرت عن اجتهاد الجماعة، وأما الثانية فقد صدرت عن اجتهاد الأفراد.

وقد عنى بعض رجال الحديث في أول العهد بتدوين السنة بأن يدونوا فتاوى الصحابة في مختلف أبواب الأحكام مع السنة، وسيتبين في العهد التشريعي الثالث أن الاحتجاج بهذه الفتاوى كان موضع اختلاف الأئمة، فمنهم من لا يخرج عنها، ومنهم من يخالفها.

الثالث: انقسام حزبي ابتدأ سياسيا بشأن الخلافة والخليفة، وانقلب دينيا ذا أثر خطير في التشريع، وذلك أنه بعد أن قتل عثمان بن عفان وبويع بالخلافة علي بن أبي طالب، ونازعه عليها معاوية بن أبي سفيان، واشتعلت الحرب بين الفريقين، وانتهت إلى تحكيم الحكمين نتج عن هذا انقسام المسلمين إلى أحزاب ثلاثة: الخوارج، والشيعة، وأهل السنة والجماعة، وهم جمهور الأمة.

فالخوارج جماعة من المسلمين نقموا من عثمان سياسته في خلافته، ونقموا من علي قبوله التحكيم، ونقموا من معاوية توليه الخلافة بالقوة، فخرجوا عليهم جميعا، وكان مبدؤهم أن خليفة المسلمين يجب أن ينتخبه المسلمون بانتخاب حر ممن توافرت فيه الكفاءة للخلافة، سواء كان قرشيا أم غير قرشي، ولو كان عبدا حبشيا، وأنه لا تجب طاعته إلا إذا كان عمله في حدود القرآن والسنة، فإن جاوز حدودهما وجبت معصيته، وسلكوا في تأييد مبدئهم، والانتقام من خصومهم كل وسائل العنف والشدة في حربهم، وفي تأييد عقيدتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015