أفرادا أو جماعات، وكان بكل مصر من أمصار المسلمين واحد أو أكثر تصدر عنهم الفتاوى فيما لا نص فيه، والتبيين والتفسير للنصوص، ومن النتائج الحتمية لهذا أن يقع اختلاف بينهم في أحكام كثيرة من الوقائع لعدة أسباب:

أولها: أن أكثر نصوص الأحكام في القرآن والسنة ليست قطعة الدلالة على الماد منها بل هي ظنية الدلالة، وكما تحتمل أن تدل على معنى تحتمل أن تدل على معنى آخر بسبب أن في النص لفظا مشتركا لغة بين معنيين أو أكثر أو أن فيه لفظا عاما يحتمل التخصيص أو لفظا مطلقا يحتمل التقييد، فكل مشرع يفهم منه حسب ما ترجح عنده من القرائن ووجهات النظر. والجزئيات التي اختلفوا فيها بناء على اختلافهم في فهم النص كثيرة جدًّا.

وثانيها: أن السنة لم تكن مدونة ولم تجتمع الكلمة على مجموعة منها وتنشر بين المسلمين لتكون مرجعا لهم على السواء بل كانت تتناقل بالرواية والحفظ، وربما علم منها المفتي في مصر ما لم يعلمه المفتي في دمشق، وكثيرًا ما كان يرجع بعض المفتين منهم عن فتواه إذا علم من الآخر سنة لم يكن يعلمها.

وثالثها: أن البيئات التي يعيشون فيها مختلفة والمصالح والحاجات التي يشرعون لها متفاوتة، فعبد الله بن عمر بالمدينة لا يطرأ له ما يطرأ لمعاوية بن أبي سفيان في الشام، ولا ما يطرأ لعبد الله بن مسعود بالكوفة، فبناء على اختلاف البيئات اختلفت الأنظار في تقدير المصالح والبواعث على تشريع الأحكام.

فلهذه الأسباب الثلاثة وجدت فتاوى مختلفة للصحابة في الواقعة الواحدة، ولكل واحد منهم دليل على ما أفتى به.

وقد كانت خطتهم في المبادئ التشريعية العامة التي راعوها في تشريعهم هي الخطة الإسلامية، وهي الاقتصار على تشريع ما تدعو إليه الحاجة فقط، وعدم سبق الحوادث بالتشريع، ومسايرة المصالح، ورعاية التيسير والتخفيف.

ما خلفه هذا العهد من الآثار التشريعية:

الآثار التشريعية التي خلفها هذا العهد ثلاثة:

الأول: شرح قانوني لنصوص الأحكام في القرآن والسنة، فإن مجتهدي الصحابة لما بحثوا في هذه النصوص لتطبيقها على الوقائع تكونت لهم آراء في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015