راو إلا إذا أيده شاهد، وعمر كان يطالب الراوي أن يأتي بالبينة على أنه روى، وعلي بن أبي طالب كان يستحلف الراوي، ولكن هذه الاحتياطات لم تحقق الغرض منها، وما قامت مقام التدوين، وقد كان لعدم تدوين السنة من فجر الإسلام أثران:

إحداهما: أنه اضطر علماء المسلمين إلى بذل جهود في بحث رواة الأحاديث ودرجات الثقة بهم، وانقسمت الأحاديث باعتبار رواتها إلى أحاديث قطعية الورود، وأحاديث ظنية الورود، والظنية إلى: صحيح، وحسن، وضعيف. ووضع فن الحديث رواية، وألفت فيه عدة مؤلفات.

وثانيهما: أن عدم التدوين لم يجمع المسلمين على مجموعة واحدة من السنة، كما جمعوا على القرآن وهذا أفسح في المجال للتحريف، والزيادة والنقص عمدا أو خطأ، مما أدى بعد إلى اختلاف في أن السنة حجة ومصدر تشريعي أو لا: وأدى إلى اختلاف من يحتجون بها في طريق الوثوق بما يحتجون به منها، وسيأتي بيان هذا.

وأما المصدر التشريعي الثالث، وهو اجتهاد بعض المفتين من الصحابة، فلم يدون أيضا من آثار، في هذا العهد شيء، وكان تقديرهم لفتاويهم أنها آراء فردية إن تكن صوابا فمن الله، وإن تكن خطأ فمن أنفسهم، وما كان واحد مهم يلزم الآخر أو يلزم أن مسلم بفتواه، وكثيرًا ما خالف عمر أبا بكر، وكثيرا ما تحاج زيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، والوقائع التي اختلف الصحابة في أحكامها كثيرة، وأدلتهم تدل على مبلغ حريتهم في البحث، وتحريهم جلب المصالح ودرء المفاسد.

الخطة التشريعية في هذا العهد:

كانت الخطة التشريعية التي سار عليها رجال التشريع من الصحابة بالنسبة إلى المصادر التشريعية، أنهم إذا وجدوا نصا في القرآن أو السنة يدل على حكم الواقعة التي طرأت لهم وقفوا عند هذا النص وقصروا جهودهم التشريعية على فهمه، والوقوف على المراد منه ليصلوا إلى تطبيقه تطبيقا صحيحا على الوقائع، ولا تتجاوز سلطتهم التشريعية حدود هذا، وإذا لم يجدوا نصا في القرآن والسنة يدل على حكم ما عرض لهم من الوقائع لاستنباط حكمه، وكانوا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015