جوابا لمن قال: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ؟ [يس: 78] ، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله سبحانه استدل على ما أنكره منكرو البعث بالقياس، فإن الله سبحانه قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدء خلقها وإنشائها أول مرة، لإقناع الجاحدين بأن من يقدر على بدء خلق الشيء وإنشائه أول مرة، قادر على أن يعيده بل هو أهون عليه، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجية القياس وصحة الاستدلال به.
وهذه الآيات الدالة على حجية القياس أيدها في دلالتها أن الله سبحانه في عدة آيات من آيات الأحكام قرن الحكم بعلته مثل قوله سبحانه في المحيض: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، وقوله في إباحة التيمم: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] ، لأن في هذا إرشادا إلى أن الأحكام مبينة على المصالح ومرتبطة بالأسباب، وإشارة إلى أن الحكم يوجد مع سببه وما بني عليه.
وأما السنة فأظهر ما استدلوا منها دليلان:
الأول: حديث معاذ بن جبل أن رسول الله لما أراد أن يبعثه إلى اليمن، قال له: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد اجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله على صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله"، ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن رسول الله أقر معاذاً على أن يجتهد إذا لم يجد نصا يقضي به في الكتاب والسنة، والاجتهاد بذلك الجهد للوصول إلى الحكم، وهو يشمل القياس لأنه نوع من الاجتهاد والاستدلال والرسول لم يقره على نوع من الاستدلال دن نوع.
والثاني: ما ثبت في صحاح السنة من أن رسول الله في كثير من الوقائع التي عرضت عليه ولم يوح إليه بحكمها استدل على حكمها بطريق القياس،