والرسول، ورده وإرجاعه إلى الله وإلى الرسول يشمل كل ما يصدق عليه أنه رد إليهما، ولا شك أن إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص لتساويهما في علة حكم النص؛ من رد ما لا نص فيه إلى الله والرسول، لأن فيه متابعة لله ولرسوله في حكمه.
والآية الثانية: قوله تعالى في سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، وموضع الاستدلال قوله سبحانه {فَاعْتَبِرُوا} ووجه الاستدلال أن الله سبحانه بعد أن قص ما كان من بني النضير الذين كفروا وبين ما حاق بهم {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} ، قال {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أي فقيسوا أنفسكم بهم لأنكم أناس مثلهم إن فعلتم مثل فعلهم حاق بكم مثل ما حاق بهم. وهذا يدل على أن سنة الله في كونه، أن نعمه ونقمه وجميع أحكامه هي نتائج لمقدمات أنتجتها، ومسببات لأسباب ترتبت عليها، وأنه حيث وجدت المقدمات نتجت عنها نتائجها، وحيث وجدت الأسباب ترتبت عليها مسبباتها، وما القياس إلا سير على هذا السنن الإلهي وترتيب المسبب على سببه في أي محل وجد فيه.
وهذا هو الذي يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {فَاعْتَبِرُوا} ، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [النازعات: 26] ، وقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: 111] ، فسواء فسر الاعتبار بالعبور أي المرور، أو فسِّر بالاتعاظ، فهو تقدير لسنة من سنن الله في خلقه، وهي أن ما جرى على النظير يجري على نظيره، ألا ترى أنه إذا فصل موظف من وظيفته لأنه ارتشى فقال الرئيس لإخوانه الموظفين: إن في هذا لعبرة لكم أو اعتبروا، لا يفهم من قوله إلا أنكم مثله، فإن فعلتم فعله عوقبتم عقابه.
الآية الثالثة: قوله تعالى في سورة يس: {ُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79]