أسقطوها، ونزلوا عنها، لأن لكل مكلف الحق في أن يتصرف في حق نفسه، وهذه ليست من المصالح العامة.
وأما ما اجتمع فيه الحقان وحق الله فيه غالب:
فهو حد القذف، لأنه من جهة أنه صيانة لأغراض الناس، ومنع من التعادي والتقاتل يحقق مصلحة عامة، فيكون من حق الله، ومن جهة أنه دفع للعار عن المحصنة التي قذفت وإعلان لشرفها وحصانتها يحقق مصلحة خاصة بها فيكون من حق الفرد، ولكن الجهة الأولى أظهر في العقوبة، فلهذا كان حق الله غالباً فيها، فليس للمقذوفة أن تسقط الحد عن قاذفها لأنها لا تملك إسقاط حد غلب حق الله فيه، وليس لها أن تقيم الحد بنفسها لأن الحدود التي هي حق خالص لله أو يغلب فيها حق الله لا يقيمها إلا الحكومة، وليس للمجني عليه أن يقيمها بنفسه.
وأما ما اجتمع فيه الحقان، وحق المكلف فيه غالب:
فهو القصاص من القاتل العامد، فإن القصاص من جهة أن فيه حياة الناس بتأمينهم على أنفسهم يحقق مصلحة عامة، ومن جهة أن فيه شفاء صدور أولياء المقتول، وإطفاء نار غضبهم وحقدهم على القاتل يحقق مصلحة خاصة، ولكن الجهة الثانية غلبت، ولهذا كان حق المكلف غالباً معه، ولو جاز لولي المقتول أن يعفو فلا يقتص منه، ولا يقتص من القاتل ألا بناء على طلب ولي المقتول.
ومن هذا يؤخذ أن العقوبات المقدرة في القرآن وهي الحدود الشرعية الخمسة، منها ما هو حق خالص لله، وهي حد الزنا، وحد السرقة، وحد السعي في الأرض فساداً بالخروج على الجماعة، ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب فيه، وهو حد قذف المحصنات. وفي هذين لا يملك المجني عليه العفو عن الجاني، ولا يملك أن يتولى عقابه بنفسه، لأن حق الله خالصاً أو غالباً لا يملك المكلف إسقاطه، والمنوط باستيفائه الإمام العام ((الحكومة)) . ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق المكلف غالب فيه، وهو القصاص، فللمجني عليه أن يعفوا عن القاتل، وإذا حكم على القاتل بالقصاص كان له أن يتولى تنفيذ الحكم، قال تعالى: