لأن دلالة الألفاظ والعبارات على المعاني، قد تحتمل عدة وجوه، والذي يرجح واحداً من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع، لأن بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها، والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع. لأن كثيراً من الوقائع التي تحدث ربما لا تتناولها عبارات النصوص، وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من الأدلة الشرعية بنصوصه وروحه ومعقوله.
وكذلك نصوص الأحكام التشريعية لا تفهم على وجهها الصحيح إلا إذا عرف المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام، وعرفت الوقائع الجزئية التي من أجلها نزلت الأحكام القرآنية، أو وردت السنة القولية أو الفعلية.
فالمقصد العام للشارع من التشريع هو المبين في هذه القاعدة الأصولية الأولى وأما الوقائع الجزئية التي شرعت لها الأحكام فهي مبينة في كتب التفسير وأسباب النزول وصحاح السنة.
ومنطوق هذه القاعدة:
أن المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس في هذه الحياة، بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم، لأن مصالح الناس في هذه الحياة تتكون من أمور ضرورية لهم، وأمور حاجية وأمور تحسينية، فإذا توافرت لهم ضرورياتهم وحاجياتهم وتحسيناتهم فقد تحققت مصالحهم. والشارع الإسلامي شرع أحكاماً في مختلف أبواب أعمال الإنسان لتحقيق أمهات الضروريات والحاجيات والتحسينات للأفراد والجماعات، وما أهمل ضروريا ولا حاجيا ولا تحسينيا من غير أن يشرع حكماً لتحقيقه وحفظه،