الذي بقي على عمومه نادر جداً، وما استفيد بقاؤه على عمومه إلا من قرينة صاحبته. وإذا كان هذا الشأن والكثير فهو بناء على عام الكثير الغالب محتمل للتخصيص، وعلى هذا فالعام المطلق عن دليل يخصصه ظاهر في العموم لا قطعي فيه.
وذهب فريق منهم وفيهم الحنفية إلى أن العام الذي لم يخصص قطعي في العموم، فهو قطعي الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص صار ظاهراً في دلالته على ما بقي بعد التخصيص، أي ظني الدلالة عليه. ففي هذا المذهب: العام الذي لم يخصص قطعي الدلالة على استغراقه جميع الأفراد، وإذا خصص صار ظني الدلالة على ما بقي من أفراده بعد التخصيص.
ويترتب على هذا أنه أن يصح العام أول تخصيص بدليل ظني، لأن الظني لا يخصص القطعي، وأنه يصح أن يخصص ثانياً وثالثاً بدليل ظني، لأنه بعد التخصيص الأول صار ظنياً، والظني يخصص الظني، وأنه يتحقق التعارض بين العام الذي لم يخصص، وبين الخاص القطعي لأنهما قطعيان. وحجتهم على ما ذهبوا إليه ((أن اللفظ العام موضوع حقيقة لاستغراق جميع ما يصدق عليه معناه من الأفراد)) . واللفظ حين إطلاقه يدل على معناه الحقيقي قطعاً، فالعام المطلق عن قرينة تخصصه يدل على العموم قطعاً، ولا يصرف عن معناه الحقيقي إلا بدليل، ولهذا استدل الصحابة والتابعون والأئمة والمجتهدون بعموم الألفاظ العامة التي وردت في النصوص مطلقة عن التخصيص، واستنكروا تخصيصها من غير دليل، فإذا خصص العام بدليل دل هذا على صرفه عن متناه الحقيقي وهو العموم، واستعماله معنى مجازي وهو الخصوص، وصار محتملاً لتخصيص ثان قياسياً على التخصيص الأول، لأن علة التخصيص الأول قد تتحقق في أفراد أخرى. ولهذا صار العام الذي خصص ظني الدلالة على ما بقي بعد التخصيص.