وهكذا كل ما ورد من أمثال هذه النصوص فهو مؤول بأن التكليف فيه إما ورد على ما يلحق الأمر الطبيعي ويترتب عليه من آثار، أو على ما يسبقه من بواعث ودوافع، وهذه اللواحق والسوابق أمور كسبية للإنسان وفي مقدوره.
ولا يتبادر إلى الذهن من اشتراط أن يكون الفعل مقدورا للمكلف لصحة التكليف به شرعا أن هذا يستلزم أن تكون في الفعل أية مشقة على المكلف، لأنه لا منافاة بين كون الفعل مقدورا أو كونه شاقا. وكل ما يكلف به الإنسان لا يخلوا من نوع مشقة، لأن التكليف هو الإلزام بما فيه كلفة ونوع مشقة.
غير أن المشقة نوعان:
النوع الأول: مشقة جرت عادة الناس أن يحتملوها وهي في حدود طاقتهم، ولو داوموا على احتمالها لا يلحقهم أذى ولا ضرر لا في نفس ولا في مال ولا في أي شأن من شؤونهم، كالمشقات التي يحتملها الناس في المداومة على طرق السعي للرزق من زرع وحرث واتجار وغيرها، والمشقات التي يحتملها الموظفون في أداء واجباتهم، وكل عامل في أداء عمله.
والتكاليف الشرعية لا تخلو من مشقات من هذا النوع فيها صعوبة ولكنها محتملة، والمداومة عليها لا تلحق بمن دوام عليها ضرراً ولا أذى. والشارع ما قصد بالتكاليف هذه المشقات التي تلابسها وإنما قصد بها المصالح المترتبة عليها، وإلزام المكلف أن يحتمل مشقة في حدود طاقته في سبيل ما يترتب له من مصالح؛ كالطبيب الذي لزم المريض أن يتناول الدواء المر لما يترتب علي تناوله من شفائه، فهو يحمله مرارته في سبيل السلامة من أمراضه. فالصلاة والزكاة والصيام وسائر ما أمر به المكلف وما نهى عنه: في القيام بها نوع مشقة وصعوبة على نفس المكلف، ولكنها صعوبة محتملة وفي حدود الطاقة، وهي وسيلة إلى غاية ومصالح لابد للإنسان منها لاستقامة حياته. والشارع ما أراد إيلام المكلف وتحميله المشقات، وإنما أراد إصلاح حاله، كما أن الطبيب ما أراد إيلام المريض بمرارة الدواء وإنما أرد شفاءه.
النوع الثاني: مشقة خارجة عن معتاد الناس ولا يمكن أن يداوموا على