وقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء: 101] ، وغير ذلك من النصوص التي تقتضي تخيير المكلف بين فعل الشيء والكف عنه.
وإنما سمي هذا النوع الحكم التكليفي لأنه يتضمن تكليف المكلف بفعل أو كف عن فعل أو تخييره بين فعل والكف عنه. ووجه التسمية ظاهر فيما طلب به من المكلف فعل أو الكف عنه. وأما ما خير به المكلف بين فعل والكف عنه فوجه تسميته تكليفياً غير ظاهر، لأنه لا تكليف فيه ولهذا قالوا: إن إطلاق الحكم التكليفي عليه من باب التغليب.
وأما الحكم الوضعي: فهو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء، أو شرطا له، أو مانعا منه.
فمثال ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، اقتضى وضع إرادة إقامة الصلاة سببا في إيجاب الوضوء. وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، اقتضى وضع السرقة سببا في إيجاب قطع يد السارق. وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلا فله سلبه"، اقتضى وضع قتل القتيل سببا في استحقاق سلبه، وغير ذلك من النصوص التي اقتضت وضع أسباب لمسببات.
ومثال ما اقتضى وضع شيء شرطا لشيء، قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] ، اقتضى أن استطاعة السبيل إلى البيت شرط لإيجاب حجه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بشاهدين"، اقتضى أن حضور الشاهدين شرط لصحة الزواج. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا مهر أقل من عشرة دراهم"، اقتضى أن شرط تقدير المهر تقديرا صحيحا شرعا أن لا يقل عن عشرة دراهم. وغير ذلك من النصوص التي دلت على اشتراط شروط لإيجاب الفعل، أو لصحة العقد أو لأي مشروط.
ومثال ما اقتضى جعل شيء مانعا من شيء، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس للقاتل ميراث" اقتضى جعل قتل الوارث مورثه مانعا من إرثه.