علل النحو (صفحة 148)

وَاعْلَم أَن الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعولين يَنْقَسِم قسمَيْنِ:

أَحدهمَا: أَن تدخل على المبتدإ وَالْخَبَر، نَحْو: (ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا) .

وَالْآخر: أَلا يدْخل على المبتدإ وَالْخَبَر، نَحْو: أَعْطَيْت وكسوت، وامتحانها بِأَن تسْقط الْفِعْل وَإِن كَانَ مَا بَقِي من المفعولين يَصح مِنْهُ كَلَام فَهُوَ الْقسم الأول، أَلا ترى أَنَّك إِذا تَقول: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، فحذفت (ظَنَنْت) وَجَاز أَن تَقول: زيد أَخُوك، فَإِذا قلت: أَعْطَيْت زيدا درهما، ثمَّ حذفت (أَعْطَيْت) فَالْوَجْه أَن تقيم مقَام الْفَاعِل الْمَفْعُول الأول، كَقَوْلِك: أعطي زيد درهما، وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَار هَذَا، لِأَن الْمَفْعُول الأول فَاعل فِي الْمَعْنى لأجل الْمَفْعُول الثَّانِي، لِأَنَّهُ أَخذه، فَوَجَبَ أَن تقيم مقَام الْفَاعِل من هُوَ فَاعل فِي الْحَقِيقَة، إِلَّا أَنه يجوز أَن تقيم الثَّانِي مقَام الْفَاعِل وَإِذا لم يشكل أَنه مَأْخُوذ، كَقَوْلِك: أعطي دِرْهَم زيدا، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لاشْتِرَاكهمَا فِي الْفَائِدَة، وَأَن الْفِعْل تعدى إِلَيْهِمَا على طَريقَة وَاحِدَة، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَعْطَيْت، فَلَيْسَ فِي الْكَلَام دلَالَة على أَن الْمُعْطِي زيد وَعَمْرو، حَتَّى تَقول: زيدا وعمرا، فتبينه، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي اللَّفْظ دلَالَة على مَا أعطي زيد، حَتَّى تبينه، فَتَقول: درهما أَو دِينَارا، فَلهَذَا جَازَ إِقَامَة الثَّانِي مقَام الْفَاعِل، فَأَما إِذا كَانَ الثَّانِي مِمَّا يَصح أَن يكون آخِذا للْأولِ، فَلَا يجوز أَن تقيم مقَام الْفَاعِل إِلَّا الأول لِئَلَّا يَنْقَلِب الْمَعْنى، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَعْطَيْت زيدا عمرا، فَإِنَّمَا يعلم أَن زيدا أَخذ عمرا، بترتيب اللَّفْظ لِأَنَّك لَو قدمت عمرا، وأخرت زيدا لصار عَمْرو هُوَ الْآخِذ لزيد، فقد بَان لَك أَن الْفَاعِل مِنْهُمَا يعلم بترتيب اللَّفْظ دون الْإِعْرَاب، فَلهَذَا وَجب أَن تقيم الأول مقَام الْفَاعِل، وَأما قَوْلك: أَعْطَيْت زيدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015