علل النحو (صفحة 149)

درهما، فقد علم أَن الدِّرْهَم مَأْخُوذ وَلَا يجوز أَن يكون آخِذا لزيد، فَلم يشكل رَفعه، إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ يدل على المُرَاد. وَأما (ظَنَنْت) فَالْوَجْه أَن تقيم الْمَفْعُول الأول أَيْضا مقَام الْفَاعِل، كَقَوْلِك: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، فَإِذا لم تسم الْفَاعِل قلت: ظن زيد أَخَاك، وَإِنَّمَا اختير هَذَا الْوَجْه لِأَن قَوْلك: ظَنَنْت أَخَاك، يدل على أَن زيدا مَعْرُوف، والأخوة مَشْكُوك فِيهَا، لِأَن الشَّك إِنَّمَا يَقع فِي الْخَبَر، فَلَو قدمت (الْأَخ) وأخرت (زيدا) لصار تَرْتِيب اللَّفْظ يدل على هَذَا الْمَعْنى، فَلَو جوزت التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، انْقَلب الْمَعْنى فَلهَذَا لم يجز إِلَّا أَن تَقول: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، فَيكون الأول معرفَة، وَالثَّانِي نكرَة، فَيجوز على هَذَا الْوَجْه أَن تقيم الْمَفْعُول الثَّانِي مقَام الْفَاعِل، إِلَّا أَن الْمُبْتَدَأ حَقه أَن يكون معرفَة، وَالْخَبَر نكرَة، فَصَارَ من أجل هَذِه الدّلَالَة ظَاهر الْكَلَام يدل على أَن الشَّك وَقع فِي خبر زيد لَا فِي زيد.

وَأما مَا يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين، فَإِنَّهُ وَجب أَن يقوم الأول مِنْهُم مقَام الْفَاعِل لِأَنَّهُ الْفَاعِل فِي الْمَعْنى، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: علم زيد عمرا خير النَّاس، وَجب أَن يكون (زيدا) فَاعِلا، فَإِن قلت: أعلم الله زيدا عمرا خير النَّاس. صَار (زيد) مَفْعُولا، فَإِذا لم تسم الْفَاعِل وَجب أَن تقيم مقَام الْفَاعِل من كَانَ فَاعِلا فِي الأَصْل، وَاعْلَم أَن الِاسْم إِذا قَامَ مقَام الْفَاعِل جرى (33 / أ) مجْرى الْفَاعِل فِي الْإِضْمَار والإظهار، فَتَقول على هَذَا، إِذا أَقمت نَفسك مقَام الْفَاعِل: ضربت، كَمَا تَقول: قُمْت، إِذا كنت فَاعِلا على الْحَقِيقَة، وَكَذَلِكَ تَقول: زيد ضرب، فَترفع (زيدا) بِالِابْتِدَاءِ، ويستتر ضَمِيره فِي الْفِعْل، كَمَا تَقول: زيد قَامَ، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك لِأَنَّهُ قَامَ مقَام الْفَاعِل فِي اللَّفْظ فِي حَال الْإِضْمَار، كَمَا وَجب أَن يُسَاوِيه فِي حَال الْإِظْهَار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015