وأيضا فإن الروح تفارق الدنيا ما شاء الله من الزمان، وعلى زعم المتفلسفة مفارقتها له أكثر من مقارنتها فإنها عندهم لا تقارنه بعد المفارقة أبدا، فيلزم أن يكون تخلي الله عن تدبير العالم أعظم من تدبير العالم أضعاف أضعاف تدبيره له على تقدير صحة التشبيه.

الوجه الثامن عشر: أن الله رب العالم كله خالقه وبارؤه ومصوره، وأما الروح والبدن فبمنزلة المتشاركين المتعاونين فكيف يجوز أن يقال نسبة ذات آدم التي هي روحه إلى هذا البدن كنسبة الباري إلى العالم مع أن ذلك من أبعد الأمور عن المشابهة فإن كون أحدهما غير حال فيه مع كونه مؤثرا فيه بالتدبير والتصرف ينعكس في جانب الإنسان فإن البدن على رأيهم ليس بمحل الروح وهو أيضا مؤثر في الروح إذ كل منهما يؤثر في الآخر فما يحسه البدن ويباشره ببدنه يؤثر في الروح كما يذكره أبو حامد في غير موضع وهو محسوس، فهل العالم مؤثر في الله كتأثير البدن في الروح.

الوجه التاسع عشر: أن كون الإنسان ليس بجسم ولا جسماني أمر ليس من المعارف الظاهرة ولا أخبر به الرسول حتى يصير معروفاً عندهم، بل كون الله ليس بجسم هو أيضاً كذلك ليس من المعارف الظاهرة ولا أخبر به الرسول أمته، فقوله: «خلق آدم على صورته» إذا أراد به أن كلاً منهما ليس بجسم ولا جسماني بل كل منهما غير حال فيما يدبره مع تأثيره فيه أمر لا يدل عليه اللفظ في اللغة التي خوطب بها ولا كان عند المخاطبين من المعارف ما يبينهم ذلك فيكون بيان هذا المعنى بهذا اللفظ خارجاً عن قانون الخطاب ليس بحقيقة عندهم ولا مجاز إذ من شرط المجاز ظهور القرائن المثبتة للمراد وليس عند المخاطبين قرينة تبين ذلك.

الوجه العشرون أن هذا المعنى الذي ادعوه من كون الروح ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015