يكون سائغا أو لا يكون فإن لم يكن سائغاً بطل تشبيه الله بالروح المدبرة للبدن، وإن كان سائغا فلا حاجة إلى تحريف الحديث، والمقصود أنهم في تأويلهم مثبتون لنظير ما فروا منه، فإنهم فروا من التشبيه ولم يتأولوه إلا على التشبيه، وإن قالوا بثبوت التشبيه من وجه دون وجه كان كلام منازعيهم في النفي والإثبات أقوى من كلامهم كما تقدم لاسيما على هذا القول.
الوجه السابع عشر: هذا التشبيه تشبيه باطل فإن الروح محتاجة إلى البدن في تحصيل كمالاتها كما أن البدن محتاج إليها، كل منهما محتاج إلى الآخر وباتفاقهما كانت الأعمال كما رواه الحافظ أبو عبد الله بن منده في «كتاب النفس والروح» وغيره عن ابن عباس قال: لا تزال الخصومة يوم القيامة حتى يختصم الروح والبدن فتقول الروح أنا لم أعمل شيئاً وإنما أنت عملت فأنت المستحق للعذاب ويقول البدن: أنا لم أتحرك من تلقاء نفسي ولكن أنت حركتني وأمرتني فيبعث الله ملكاً يحكم بينهما فيقول مثلكما مثل مقعد وأعمى دخلا بستانا فرأى المقعد فيه ثمرا معلقا فقال للأعمى: إني أرى ثمرا ولكن لا أستطيع المشي إليه فقال الأعمى أنا أستطيع المشي لكني لا أراه فقال: تعال احملني فحمل الأعمى المقعد وجعل يقول له: تعالى إلى هنا تعال إلى هنا فيأمر المقعد الأعمى فيفعل فعلى من يكن العقاب فقال: على الاثنين، فقال الملك: فهذه حالكما أو نحو هذا المعنى، وهذا أمر محسوس متفق عليه بين العقلاء، وهؤلاء الذين يسمونها النفس الناطقة متفقون على أنها تعلقت بالبدن لتحصيل كمالاتها، وإذا كان كذلك فيلزم من هذا التشبيه أن يكون الله محتاجاً إلى العالم كما أن العالم محتاج إليه، وهذا من أقبح الكفر والتمثيل فإن التشبيه إذا ساغ إنما يسوغ في صفات الكمال، وهذا تشبيه لله بخلقه في صفات النقص.