قال أبو البقاء: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد الشرط، أي: إنْ تصدق رجل ولو بشيء حقير من ماله أثيب، وحذف حرف الشرط وجوابه للعلم به كما قال تعالى: (إنّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) [طه: 118] تقديره: إن أقمت على الطاعة.
والوجه الثاني: أن يكون محمولاً على الدعاء فكأنه قال: رحم الله امرءًا تصدق كما قالوا: امرءًا اتقى الله، أي: رحم الله، وجعل الفاعل وهو قوله: وهو "رجل" مفسرًا للمنصوب المحذوف.
ويحتمل وجها ثالثا: وهو أن يكون على الخبر، أي تصدق رجل من غيركم بكذا وكذا فأثيب، والغرض منه حثّهم على الصدقة وأن غيرهم تصدق بمثل ذلك فأثيب فحكمهم كحكمه. انتهى.
قال الطيبي: قوله تصدق: لعل الظاهر ليتصدق رجل، ولام الأمر للغائب محذوف، ولو حمل تصدق على الفعل الماضي لم يساعد عليه قوله ولو بشق تمرة، وجل، نكرة وضعت موضع الجمع المعرف فأفاد الاستغراق في إفراده وإن لم يكن في سياق النفي، ومن ثم لزم (مِنْ) في الحديث مرارًا ولم يعطف، أي ليتصدق رجل من ديناره ورجل من درهمه وهلم جرا، ومِنْ: في ديناره يجوز أن تكون تبعيضية منصوبة المحل، وديناره ودرهمه تفسيرًا، أي: ليتصدق ببعض ما عنده من هذا الجنس، وأن تكون ابتدائية متعلقة بالفعل فالإضافة في ديناره ودرهمه بمعنى اللام.
قال ابن مالك في شرح الكافية: قد يقصد العطف مع حذف العاطف كقوله صلى الله عليه وسلم: تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع تمره.
وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع: أكلت خبزًا لحمًا تمرًا، أراد: ولحمًا وتمرًا، ومثله قول الشاعر: