فإن قيل: فهل يصح أن يكون مبتدأ والخبر ما تقدم؟ قلنا: زعم بعضهم ذلك، وذكر أن الكلام مستقل بالإفادة من غير تقدير، فالله مبتدأ، ولا إله الخبر، وتقديره: الله إله، وفائدة الاستثناء إثبات الإلهية لله تعالى، ونفيها عمّا عداه، ونظيره عنده: لا منطلق إلاّ زيد، في إثبات الانطلاق لزيد ونفيه عما عداه، وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أنه مستثنى من مذكور، مخرج عنه، وإخراجه يدل على مغايرته له، والخبر صفة قائمة بالمخبر عنه، غير مغايرة له، لأنه أمر يخصّه وإنما الإخبار يصحّ في الاستثناء المفرغ، الذي ليس بمخرج من مذكور، وأما قياسه على: لا منطلق إلاّ زيد، قلنا زيد ليس بمستثنى من منطلق حتى يمتنع جعله خبرًا عنه، بخلاف النزاع.
الوجه الثاني: أن (لا) تنصب الاسم، وترفع الخبر في أصل وضعها، فلا يخلو في صورة النزاع إما أن يقدر لها خبر أو لا، لا جائز أن لا يقدر، لأن ذلك إبطال لوضعها، لأن من قال بحذف خبرها يقول بتقديره حملاً على الأعم الأغلب وإذا لزم تقديره بطل قول القائل بعدم التقدير، وذلك ما أردنا، ولأنه إذا لم يقدر يكون الخبر مفردًا، والخبر المفرد تجب مطابقته للمخبر عنه في الإعراب، وهو إما منصوب على قول بعضهم، وإمّا مبني على الفتح على قول بعضهم، وذلك يمنع كونه خبرًا لعدم مطابقته للمبتدأ في الإعراب، فثبت امتناع كونه مبتدأ وإثبات تقدير الخبر. انتهى كلام ابن فلاح.
ومثل ذلك حديث: (لا حِمى إلا لله ولرسوله) وحديث: (لا حليمَ إلاّ ذو عَثْرَةٍ ولا حَكَم إلاّ ذو تجربةٍ) وحديث: (لا صلاةَ إلاّ بفاتحة الكتاب، لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد) وحديث: (لا نِكاح إلاّ بوليّ) وحديث: (اللهم لا خيرَ