قال الزمخشري: هذه كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم، ولذلك لم تتصرف، ولزمت طريقة واحدة، في كونها فعلاً ماضيًا معلقًا بالمخاطب وحده، وهي في معنى الأمر، كقولهم في الدعاء: رحمك الله، أي: ليرحمك الله. والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب كذبته نفسه، إذا أمنته الأماني، وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور، ويبعثه على التعرض لها، ويقولون في عكسه: صدقته نفسه، وحببت إليه العجز والكد في الطلب. أي: ليكذباك، ولينشطاك على الفعل، ويبعثاك عليه.
وقال ابن السكيت: كأن (كذب) هنا إغراء، أي: عليك بهذا الأمر، وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس. ومنه حديث عمر: (كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد، ثلاثة أسفار كذبن عليكم)، معناه الإغراء: أي عليكم بهذه الأشياء الثلاثة. وكان وجهه النصب على الإغراء، ولكنه جاء شاذًّا مرفوعًا.
وقيل: معناه: إن قيل: لا حج عليكم، فهو كذب. وقيل: معناه: وجب عليكم الحج. وقيل: معناه الحث والحض. يقول: إن الحج ظن بكم حرصًا عليه ورغبة فيه، فكذب ظنه.
وقال الزمخشري: معنى (كذب عليكم الحج) على كلامين، كأنه قال: كذب الحج، عليك الحج، أي: ليرغبك الحج، هو واجب عليك، فأضمر الأول لدلالة الثاني عليه. ومن نصب (الحج) فقد جعل (عليك) اسم فعل، وفي (كذب) ضمير (الحج).
وقال الأخفش: (الحج) مرفوع بكذب، ومعناه نصب، لأنه يريد أن يأمره بالحج، كما يقال: أمكنك الصيد، يريد ارمه.
ومنه حديث عمر (كذبتك الظهائر) أي عليك بالمشي فيها، وهي شدة الحر،