آخر وَكَذَا لَو قلد مُجْتَهدا فِي بعض الْمسَائِل وَآخر فِي الْبَعْض الآخر حَتَّى لَو اخْتَار من كل مَذْهَب الأهون كالحنفي إِذا إقتصد وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بالشافعي رَحمَه الله لِئَلَّا يتَوَضَّأ أَو الشَّافِعِي مس فرجه أَو امْرَأَة وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بالحنفي لِئَلَّا يتَوَضَّأ وَغير ذَلِك من الْمسَائِل جَازَ هَذَا حَاصِل كَلَام صَاحب الْأَنْوَار فِي كتاب الْقَضَاء وَقَالَ فِي بَاب الإحتساب لَو رأى الشَّافِعِي شافعيا يشرب النَّبِيذ أَو ينْكح بِلَا ولي ويطؤها فَلهُ أَن يُنكر لِأَن على كل مقلد اتِّبَاع مقلده ويعصي بالمخالفة وَلَو رأى الشَّافِعِي الْحَنَفِيّ يَأْكُل الضَّب أَو مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا فَلهُ أَن يَقُول إِمَّا أَن تعتقد أَن الشَّافِعِي أولى بالإتباع وَإِمَّا أَن تتْرك هَذَا كَلَامه فِي الإحتساب وَبَين الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَاف أَقُول وَحل الإختلاف عِنْدِي وَالله أعلم أَن معنى قَوْله يَعْصِي بالمخالفة أَنه يَعْصِي بالمخالفة إِذا عزم على تَقْلِيده فِي جَمِيع الْمسَائِل أَو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثمَّ أقدم على الْمُخَالفَة فَهَذِهِ مَعْصِيّة بِلَا شكّ وَأما إِذا قلد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَيره فَذَلِك الْغَيْر هُوَ مقلده وَلم يُخَالف مقلده ونقول الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَبْنِيَّة على قَول الْغَزالِيّ وشرذمة وَالْأولَى على قَول الْجُمْهُور فَافْهَم فَإِن حل هَذَا الإختلاف قد صَعب على بعض المصنفين
مَسْأَلَة اعْلَم أَن تَقْلِيد الْمُجْتَهد على وَجْهَيْن وَاجِب وَحرَام
فأحدهما أَن يكون من اتِّبَاع الرِّوَايَة دلَالَة تَفْصِيله أَن الْجَاهِل بِالْكتاب وَالسّنة لَا يَسْتَطِيع بِنَفسِهِ التتبع وَلَا الإستنباط فَكَانَ وظيفته أَن يسْأَل فَقِيها مَا حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْأَلَة كَذَا وَكَذَا فَإِذا أخبر تبعه سَوَاء كَانَ مأخوذا من صَرِيح نَص أَو مستنبطا مِنْهُ اَوْ مقيسا على الْمَنْصُوص فَكل ذَلِك رَاجع إِلَى الرِّوَايَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو دلَالَة وَهَذَا قد اتّفقت الْأمة على صِحَّته قرنا بعد قرن بل الْأُمَم كلهَا أنفقت على مثله فِي شرائعهم وأمارة هَذَا التَّقْلِيد أَن يكون عمله بقول الْمُجْتَهد كالمشروط بِكَوْنِهِ مُوَافقا للسّنة فَلَا يزَال متفحصا عَن السّنة بِقدر الْإِمْكَان فَمَتَى ظهر حَدِيث يُخَالف قَوْله هَذَا أَخذ بِالْحَدِيثِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْأَئِمَّة قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَإِذا رَأَيْتُمْ كَلَامي يُخَالف الحَدِيث فأعملوا بِالْحَدِيثِ واضربوا بكلامي الْحَائِط وَقَالَ مَالك رَحمَه الله مَا من أحد إِلَّا ومأخوذ من كَلَامه ومردود عَلَيْهِ