قيل: إن المغيث المذكور أكره امرأة الملك الظاهر بيبرس، لما قبض المغيث على البحرية وأرسلهم إلى الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، وهرب الملك الظاهر بيبرس المذكور، وبقيت امرأته في الكرك.

وكان من حيدث مقتله ان الملك الظاهر مازال يجتهد على حضوره، وحلف لوالدته على غزَّه كما ذكرنا، وكان عند المغيث شخص يسمى الأمجد، وكان يبعثه في الرسلية إلى الملك الظاهر، فكان الظاهر يبالغ في إكرامه وتقريبه، فاغتر الأمجد بذلك، وما زال على مخدومه الملك المغيث حتى أحضره إلى الملك الظاهر.

وقال المؤيد في تاريخه: حكى لي شرف الدين بن مزهر، ناظر خزانة المغيث، قال: لما عزم المغيث على التوجه إلى خدمة الملك الظاهر، لم يكن قد بقى في خزانته شيء من القماش ولا المال، وكانت لوالدته حواصل بالبلاد، فبعناها بأربعة وعشرين ألف درهم، واشترينا بإثنى عشر ألفا خلعاً من دمشق، وجعلنا في صناديق الخزانة الإثنى عشر ألف الأخرى، ونزل المغيث من الكرك، وأنا والأمجد وجماعة من أصحابه معه في خدمته.

قال: وشرعت البريدية تصل إلى المغيث في كل يوم بمكاتبات الملك الظاهر، ويرسل صحبتهم غزلانا ونحوها، والمغيث يخلع عليهم حتى نفذ ما كان بالخزانة من الخلع.

ومن جملة ما كتب إليه في بعض الماكاتبات، أن الملوك ينشد في قدوم مولانا:

خليلي هل ابصرتما اوسمعتما ... بأكرم من مولى تمشى إلى عبد

قال: وكان الخوف من قلب المغيث شديداً من الملك الظاهر، قال ابن مزهر المذكور: ففاتحني في شىء من ذلك بالليل، فقلت له: احلف لي أنك ما تقول للأمجد ما أقوله لك حتى أنصحك، فحلف لي، فقلت له: أخرج الساعة من تحت الخام، واركب حجرتك النحيلة، ولا يصبح لك الصباح إلا وأنت قد وصلت إلى الكرك، فتعصى فيه، وما تفكر بأحد.

قال ابن مزهر: فغافلنى وتحدث مع الأمجد في شىء من ذلك، فقال له الأمجد: هذا رأي ابن مزهر، إياك من ذلك، وسار المغيث. حتى وصل إلى بيسان، فلقى الظاهر كما ذكرناه، فقبض عليه وأرسله على الفور معتقلا إلى مصر، وكان آخر العهد به.

قيل: إنه حمل إلى امرأة الملك الظاهر بيبرس بقلعة الجبل، فأمرت جواريها فقتلته بالقباقيب، ثم قبض الملك الظاهر على جميع أصحاب المغيث ومن جملتهم ابن مزهر المذكور، ثم بعد ذلك أفرج عنهم.

وقال المؤيد: ولما قبض الظاهر على المغيث أحضر الفقهاء والقضاة وأوقفهم على مكاتبات من التتار إلى المغيث أجوبة عما كتب اليهم به في أطماعهم في ملك مصر والشام، وكتب بذلك مشروح، وأثبت على الحكام.

الملك الشرفُ موسى بن الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد شيركوه ابن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادى بن مروان صاحب حمص.

مات في هذه السنة بعد عوده من خدمة السلطان الملك الظاهر بيبرس إلى حمص بمرض أشتدَ به، فتوفى وأرسل الملك الظاهر فتسلم حمص في ذي القعدة من هذه السنة.

وهذا الملك الأشرف هو آخر الملوك الذين ملكوا حمص من بيت شيركوه.

وكان من ملك منهم حمص خمس ملوك أولهم أسد الدين بن شيركوه ابن شادى، ملكه إياها نورالدين الشهيد رحمه الله، ثم ملكها من بعده أولاده المذكورون واحداُ بعد واحد، فآخرهم موسى المذكور، وانقرض بموته ملكهم حمص.

وذكر ابن كثير وفاة الملك الأشرف المذكور في سنة اثنتين وستين وستمائة، قال: وكان من المكُرماء الموصوفين، والكبراء الدماشقة المترفين، فيعتنى بالمآكل والمشارب والملابس والمراكب، وقضاء الشهوات والمآرب، وكثرة التنعمُّ بالمغانى والحبايب، ولما توفى وجد له حواصل من الجواهر النفيسة، والأموال الكثيرة، وعاد ملكه إلى الدولة الظاهرية، واستناب ببلاده من المماليك البحرية.

قال أبو شامة: وقبله بقليل توفى الزين خضر المعروف بالمسخرة، وكان من ندماء الأشرف موسى بن العادل.

فصل فيما وقع من الحوادث

السنة الثانية والستين بعد الستمائة

استهلت هذه السنة، والخليفة هو الحاكم بأمر الله العباسى، وهو مقيم بالقاهرة.

وسلطان البلاد المصرية والشامية: هو الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى؛ وقاضي القضاة بها تاج الدين بن بنت الأعز، ونائبه بدمشق: الأمير جمال الدين أقوش النجيبي، وقاضي القضاة بدمشق شمس الدين بن خلكان.

ونائبه بحلب: الأمير نورالدين على الهكاري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015