الأول في بيان اسمه ونسبه: هو أمير المؤمنين أبو احمد عبد الله بن أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن أمير المؤمنين الظاهر بالله أبي نصر أحمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبي العباس احمد بن أمير المؤمنين يالمستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر يوسف ابن أمير المؤمنين المقتفى لأمر الله أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبي القاسم عبد الله بن الأمير الذخره أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد ابن الأمير الموفق أبي احمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق أحمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن أمير المؤمنين الرشيد أبي محمد هارون بن المهدي أبي عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بن هاشم العباسي الهاشمي، آخر خلفاء بنى العباس بالعراق، وأمه أم ولد تدعى هاجر، ولد ضاحى نهار السبت حادي عشر شوال سنة تسع وستمائة، وبويع له بالخلافة في العشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة.
الثانى في سريرته وسيرته: كان حسن الصورة، جيَّد السيرة، صحيح السريرة، مقتفياً بأبيه المستنصر بالله في المعدلة وكثرة الصلاة والصدقات وإكرام العلماء والعباد، وقد استجاز من الحافظ بن النجار، فأجاز له، وكذلك أجاز له جماعة من مشايخ خراسان منهم: المؤيد الطوسى، وأبو روح عبد العزيز بن محمد الهروى، وأبو بكر بن الصغار وغيرهم، وحدث عنه جماعة منهم: مؤدبه شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن على بن محمد بن النيار، وأجاز هو للإمام محيى الدين بن الجوزى، وللشيخ نجم الدين البادرائى، وحدثا عنه بهذه الاجازة، وقد كان سنيا على طريقة السلف وإعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ وضعف رأى ومحبة للمال وجمعه، ومن جملة ذلك أنه أغل الوديعة التي استودعها إياه الناصر داود بن الملك المعظم، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار، فاستقبح هذا من الخليفة وأمثاله.
الثالث في مقتله: قد ذكرنا أن التتار قتلوه مظلوماً شهيداً، وقتل معه ولده وأسر الثالث مع بنات ثلاث من صلبه، وشغر منصب الخلافة بعده، ولم يبق في بنى العباس من سد مسده، فكان آخر الخلفاء من بنى العباس الحاكمين بالعدل بين الناس، ومن يرتجى منهم النوال، ويخشى منهم البأس، وختموا بعبد الله المستعصم، كما افتتحوا بعبد الله السفاح.
وكانت عدة الخلفاء من بنى العباس إلى المستعصم بالله سبعة وثلاثين خليفة، وكان أولهم عبد الله السفاح، بويع له بالخلافة وظهر ملكه وأمره في سنة ثنتين وثلاثين ومائة، بعد انقضاء دولة بنى أمية، كما تقدم بيانه، وآخرهم عبد الله المستعصم، وقد زال ملكه وانقضت خلافته في هذا العام، أعنى سنة ست وخمسين وستمائة، فجملة أيامهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة، وزالت يدهم عن العراق والحكم بالكلية مدة سنة وشهور في أيام البساسيرى بعد الخمسين والأربعمائة، ثم عادت كما كانت، وقد بسطنا ذلك في موضعه في أيام القائم بأمر الله.
ولم تكن أيدي بنى العباس حاكمة على جميع البلاد، كما كانت بنو أمية قاهرة جميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه قد خرج عن بنى العباس بلاد المغرب، ملكها في أوائل الأمر بعض بنى أمية ممن بقى منهم من ذرية عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك، ثم تغلب عليه الملوك بعد دهور متطاولة كما ذكرنا، وقارن بنى العباس دولة جماعة من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب وما هنالك وبلاد الشام في بعض الأحيان والحرمين في أزمان طويلة، واستمرت دولة الفاطميين قريباً من ثلاثمائة سنة حتى كان آخرهم العاضد الذى مات بعد الستين وخمسمائة في الدولة الصلاحية الناصرية الأيوبية كما ذكرنا.
وكانت عدة ملوك الفاطميين أربعة عشر ملكاً، أولهم المهدي وآخرهم العاضد، ومدة ملكهم تحريراً من سنة تسع وتسعين ومائتين إلى خمسمائة وخمسة وستين، فتكون مائتي سنة وست وستين سنة، وكان مقامهم بمصر مائتي سنة وثماني سنين.