ومنها: أن أبا سعيد ابن عم محمد بن الأحمر - صاحب مالقة - أخذ مدينة سبتة بالأندلس، وكانت في يد شخص من أهل الأندلس يسمى العسفي، كان أولاً ينوب فيها عن الموحدين، فخلع طاعتهم لما وهت مملكتهم واستبد بها وانتمى إلى المريني إذ كان أشد شوكة وأكثر جماعة، وجعل له جعالة يحملها إليه كل سنة، فاتفق بينه وبين شخص يسمى ابن زيد مستحفظ القلعة التي بسبتة شيئاً، ووقع بينهما واقع، فكاتب ابن زيد صاحب مالقة وهو ابن عم الأحمر يستدعيه ليُسلم له قلعة سبتة، فعزم على التوجه إليه وخشي من ظهور أمره واتصال خبره بالعسفي فيحتاط لنفسه، فلا يبلغ منه مراماً، فأعمل الحيلة، وورّي بقصد طنجة، وكتب إلى العسفي بسببه يقول له: إن أهل طنجة قد كاتبوني وقرروا الأمر معي أن يُسلموها إلي على أن أوجه إليهم بأربعين ألف دينار وأسير إليهم وأتسلمها، وقصدت أن تكون لي مساعداً بأمرين: أحدهما: أن تُسعفني ببعض المال.
والثاني: أن أجعل عبوري على سبتة وتسير جفاني - يعني المراكب - من تحتها ليخفى على من بطنجة أمرنا، فنأتيهم بغتة فنظفر بالبغية.
فمشت هذه الخدعة على صاحب سبتة، وظن المكيدة حقاً، وسار أبو سعيد على الأثر بجفانه وأنصاره وأعوانه إلى نحة سبتة، فلما رأى النواظير والأحراس مراكبه مقبلة أخبروا صاحب سبتة. فقال: لا بأس عليكم منه، فإن له مقصداً هو قاصده، فلما جنّ الليل طرق البلد على غفلة، وتسلم القلعة من مستحفظها من أول وهلة واحتلها، وانبسط في البلد، هو ومن معه، فأخذها وأسر أولاد العسفي، وساقهم إلى غرناطة في الأسر، واستولى على سبتة بكيده، وبقيت في يده وأيده.
ومنها: أنه في رمضان جاء كتاب من مقدم الخدّام بالمشهد النبوي يستأذن السلطان في بيع طائفة من قناديل الحرم النبوي، ففيها قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار، وأن يصرف ذلك في بناء مئذنة عند باب السلام، الذي عنده المطهرة، فرسم بذلك، وشرع في بنائها، وولي خطيبها سراج الدين عمر قضاءها، مع الخطابة بدمشق، ذلك على الروافض.
ومنها: أن في هذه السنة اختلفت السوقة والعامة في أخذ الفلوس المصكوكة عدداً، وقرروا أمرها وزناً، وقطع سعرها - بدرهمين ونصف - الرطل، واستمرت على ذلك.
ومنها: أن في شهر رجب قرأ الشيخ جمال الدين المزي فصلاً في الرد على الجهمية من كتاب أفعال البخاري تحت قبة النسر، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وقالوا: نحن المقصودون بهذا التكفير، وسعوا به إلى قاضي القضاة ابن صصري، فأحضره إلي بين يديه ورسم بحبسه، فبلغ ذلك الشيخ ابن تيمية فقام حافياً وأصحابه خلفه إلى الحبس فأخرجه منه، وطلع القاضي إلى النائب، وطلع الشيخ تقي الدين، التقوا عند النائب، وتخاصما، فأسقط تقي الدين على القاضي، وذكر نائبه جلال الدين، وأنه آذى أصحابه بسبب غيبة ملك الأمراء، فأمر ملك الأمراء أن يُنادى في المدينة: من تكلم في العقائد حلّ قتله، ونهبت داره. وكان قصد الأمراء تسكين الفتنة.
ومنها في رجب طلبوا القضاة والمفتين والفقهاء والشيخ تقي الدين بن تيمية إلى حضرة نائب دمشق، بالقصر الأبلق، فلما اجتمعوا عنده سأل الشيخ تقي الدين عن عقيدته، فأملى شيئاً منها، ثم أحضر عقيدته: الواسطية، وقرئت في المجلس، وبحث فيها، وبقي مواضع أخر أخرت لمجلس آخر، ثم اجتمعوا يوم الجمعة الثاني عشر من رجب، وحضر المجلس أيضاً الشيخ صدر الدين الهندي، وبحثوا معه، وسألوه عن مواضع، وجعل الشيخ صدر الدين يتكلم معه، ثم رجعوا عنه، واتفقوا على أن الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني يحاققه، ورضوا بذلك، وانفصل الحال أن الشيخ تقي الدين أشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب، يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي، رضي الله عنه، فرضي منه بهذا القول وانصرفوا، وبعد ذلك حصل من أصحاب الشيخ تقي الدين كلام، وقالوا: ظهر الحق مع شيخنا، فأحضر واحد منهم إلى القاضي جلال الدين القزويني، وأمر بتعزيزه، فشفع فيه، وكذلك فعل القاضي الحنفي بإثنين من أصحابه.
ومنها: أن الله تعالى أغاث الشام بالأمطار، ووقع الرخاء، وكان عالياً.
وفيها انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعاً واثني عشر إصبعاً.
وفيها حج بالناس حسام الدين لاجين الجاشنكير المنصوري، أميراً على الركب المصري، وكان على الركب الشامي الأمير شرف الدين حسين ابن حيدر.