وقد أشار أولئك الملاعين الرافضة وغيرهم من المنافقين على هلاون أنّ لا يُصالح الخليفة. وقال الوزير: ولو وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاماً أو عامين، ثم يعودُ الأمر على ما كان عليه قبل ذلك، وحسّنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة إلى هلاون أمر بقتله.

ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير بن العلقمى ونصير الدين الطُوسىّ، وكان النصير عند هلاون حظياً قد استصحبه في خدمته لما فتح قلعة الموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية، وكان النصير وزير شمس الشموس ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين، وكانوا ينتسبون إلى نزار بن المستنصر العُبَيْدى، وانتخب هلاون النصير يكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هلاون تهيب قتل الخليفة، فهوّنّ عليه قتلَه الوزير والنصير، فقتلوه رَفْسَا وهو في جولق لئلا يقع على الأرض شيءٌ من دمه، خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم. وقيل: بل خُنِق. وقيل: بل غُرِق.

وفي تاريخ النويرى: خرج الوزير ابن العلقمى فتوثق منه لنفسه، وعاد إلى الخليفة وقال: إن السلطان هلاونُ يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر، وحسن إليه الخروج إليه، فخرج الخليفة في جمع من الأكابر من أصحابه، فأنزل في خيمة، ثم استدعى الوزير الفقهاء والأماثل، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد ومدرسُوها، وكان فيهم الشيخ محي الدين بن الجوزى وأولاده، وجعل الوزير يخرج إلى التتار طائفة بعد طائفة، فلما تكاملوا قتلهم التتار عن آخرهم، ثم مدّوا الجسْرَ، وعدى بيجو ومن معه، وبذلوا السيف في بغداد وهجموا دار الخلافة، وقتلوا كلّ من فيها من الأشراف، ولم يسلم منهم إلا مَن كان صغيراً فأخذ أسيراً، ودام القتل والنهبُ في بغداد أربعين يوماً حتى صار الدم في الأزقة كأكباد الإبل، ثم نودىَ بالأمان.

وفي تاريخ ابن كثير: ولما قتلوا هؤلاء السادات مالوا على البلد، فقتلوا جميع من قدورا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقنى الوسخ ويكمنون فيها ولا يظهرون، وكان جمع من الناس يجتمعون في الحانات ويغلقون عليهم الأبواب فيفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالى المكان، فيقتلونهم على الأسطحة حتى تجرى الميازيب من الدماء في الأزقة، وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن إلتجأ إليهم، والى دار الوزير محمد بن العلقمى الرافضي، عليه ما يستحق.

وعادت بغداد، بعد ما كانت أنس المدن كلها، كأنها خراب، ليس فيها أحد إلا القليل من الناس، وهم في خوفٍ وجوع ولإلَّةٍ وقلةٍ.

وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين فقيل: ثمانمائة ألف نفس، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل: بلغت القتلى ألفى ألف نفس، وقتل مع الخليفة ولده الأكبر أبو العباس أحمد، وله خمس وعشرون سنة، ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن، وله ثلاث وعشرون سنة، وأَسِر ولده الأصغر مبارك، وأَسِرت إخوته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وأَسِر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل، والله أعلم.

وقتل استادر الخليفة الشيخ الفاضل محيى الدين بن يوسف الشيخ أبي الفرج ابن الجوزى وكان عدوّ الوزير بن العلقمى، وقتل أولاده الثلاثة عبد الرحمن وعبد الله وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحداً بعد واحد، منهم: الدوادار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.

وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بنى العباس، فيخرج بأولاده ونسائه، فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة، فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015