كانت من حظايا الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل ابن العادل أيوب، وكان له ولد منها يسمى خليل، كان من أحسن الصور، مات صغيراً، وكانت تكون في خدمة الملك الصالح لا تفارقه حضراً وسفراً من شدَّة محبته لها، وقد ملكت الديار المصرية بعد مقتل ابن زوجها الملك المعظم توران شاه، فكان يخطب لها ويضرب السكة باسمها، وعلَّمت على المناشير مدّة ثلاثة أشهر كما ذكرنا، ثم تملك الملك المعز أيبك، ثم تزوجها بعد تملكه الديار المصرية، ثم غارت عليه لما بلغها أنه يريد أن يتزوج ابنة صاحب الموصل كما ذكرناه، فعملت عليه حتى قتلته كما تقدَّم، فتمالى عليها مماليك المعزّ فقتلوها وألقوها على مزبلة ثلاثة أيام، ثم نقلت إلى تربة لها بالقرب من قبر الست نفيسة.
وفي تاريخ النويرى: وفي سادس عشر ربيع الآخر من هذه السنة قتلت شجر الدر وألقيت خارج البرج الأحمر وحملت إلى تربة كانت قدم عملتها فدفنت بها.
وكانت تركية الجنس، وقيل: كانت أرمنية الجنس، وكانت مع الملك الصالح في الإعتقال بالكرك.
وفي تاريخ ابن كثير: وكانت قوية النفس، ولما علمت أنها قد أحيط بها أتلفت شيئاً كثيراً من الجوهر واللآلى كسرته في الهاون لا لها ولا لغيرها.
وقال: لما سمع مماليك المعزّ بقتله أقبلوا صحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غير مستورة العورة بعد الحجاب المنيع والمقام الرفيع.
فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت هذه السنة، وفيها فتنٌ ومصائب، وأعظمُها قتل الخليفة المستعصم بالله، وانقراض الخلافة العباسية من بغداد، واستيلاء هلاون على بغداد، وفساد التتار في البلاد، ووقوع الحرب بني بنى أيوب وبين المماليك البحرية، وبين الشامية والمصرية، على ما نذكره مفصلاً.
وفي أول هذه السنة قصد هلاون بعساكر التتار بغداد، وسار إليها فنازلها، وكان معه من المقدمين الأكابر: كوكك نُوين، وألكان نُوين، وكتبغا نُوين، وقد غان نُوين، وهلاجو نوين، ومركديه نوين، وصغون حاق، ومن الملوك داود ملك الكرج بجيشه، وأرسل إلى بيجو يستدعيه ليشهد هو ومن معه المحاصرة ويستكثرهم في المحاصرة، فلما وصل إليه الرسول أزمع التأخير واستشار الأمراء الذين معه في ذلك، وهم: أرسلان جوبان وصرمون نوين، وانكراث، فأبوا إلا التوجه إلى هلاون، فاضطره الأمر إلى المسير إليه، إلا أنه أرسل يخبر هلاون بأن جمعاً كثيراً من القراسلية والأكراد والياروقية قد جمعوا لهم في الطرقات، ومقدمهم شرف الدين بن بلاش، وأنهم أخذوا عليهم المضيق، وسدُّوا دونهم الطريق، ولا سبيل لهم إلى الخروج من حدود ديار بكر، وقصد بيجوُ بذلك المدافعة؛ إذ لم يجّد سبيلا إلى الممانعة، فجهز هلاون تومانين من التوامين الذى صحبته، أحدهما: مقدمه قدغان، والآخر كتبغانوين ليفتحا الطرقات لهم، ويزيحا عنها الأكراد وغيرهم، وفي أثناء ذلك أتقع الأكراد والقراسل وقعة عظيمةً، وجفل منهم أهل أرزنجان، وتحصنوا بجبل أُرزن سور، فلما وصل التتار إلى أرزنجان تسلموها، وحاصروا كماخ، وكسروا الأكراد، وسبوا منهم وقتلوا، وأقام قدغان وكتبغا حتى وصل إليهم بيجوا وخجانوين ومن معهما، وتوجهوا جميعاً إلى هلاون، فنزل بيجوُ ومن معه بالجانب الغربى من بغداد، وهلاون ومن معه بالجانب الشرقي، وحاصروا بغداد أشدَّ الحصار.
ولما أحاطوا بها، وخيموا حولها، خرج إليهم عسكرها بعدد وعدده، وحشده ومدده، صحبة مجاهد الدين أيبك الدوادار الصغير، وكان له شأن عظيم، وقدر جسيم، وكان مقدماً على عشرة آلاف فارس، فندبه الخليقة لقتال التتار، وكان في مقدمتهم صغون حاق بتمانه، فلما التقى المسلمون معهم كانت الكسرة على التتار، فولوا الأدباء، وتبعهم الدوادار، سحابة ذلك النهار، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وجماً غفيراً.
وحجز بينهم الليل، فكفّت المسلمون الذين مُعتقدين أنهم قد استظهروا، ولأعدائهم قهروا، فلما أصبحوا لم يشعروا إلا وقد تراجع التتار إليهم، وحملوا عليهم، فكسروهم وهزموهم، لأن أكثرهم كان قد تسّلل في الليل إلى المدينة موقناً بالنصرة.