وفيها: اقتضى رأي السلطان والأمراء أن يخرج الأمير شمس الدين سنقر الأعسر مع جماعة من المماليك السلطانية إلى الوجه القبلي ليحصّل من عزبة الخيل والجمال وآلات السلاح، والسبب لذلك أنهم علموا بسفر السلطان مع العسكر لحقهم الطمع في مغل الأمراء والجند، ومنعوا الحقوق، وعصوا على الولاة، وقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، فجرد لذلك سنقر المذكور وصحبته مائة نفر من المماليك السلطانية، فركب إلى أن وصل إليهم، وكان له في نفوس الناس حرمة عظيمة ومهابة قوية، فكبس البلاد، وأتلف كثيراً من المفسدين، ولم يزل سائراً إلى أن وصل الأعمال القوصية، ولم يدع فرساً في بلاد الصعيد من خيل العرب ولا خيل القضاة والفقهاء والمتعممين إلا أخذه، وأخذ سائر السلاح من الرماح والسيوف والدرق، فكانت عدة ما حضر معه من الخيل ألف وستون فرساً، ومن الجمال ثمانمائة وسبعون رأساً، ومن الرماح ألف وستمائة رمح، ومن السيوف ألف ومائتا سيف، ومن الدرق تسعمائة درقة، ومن الغنم ستة آلاف رأس، فأصلح تلك البلاد حتى أخذ الناس مغلهم كاملاً.
وقال بيبرس في تاريخه: جرد الأمير سيف الدين سنقر الأعسر إلى الصعيد للكشف والتمهيد، ورسم له بحسم مادة العربان، فإنهم تظاهروا بالنفاق والعصيان وتوجهنا إلى الوجه فاجتمعنا بمنفلوط وأحضرنا أعيانهم، وقررت عليهم جباية من المال والخيل والجمال والسلاح، وجبيت فكانت ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، وألف رأس خيل، وألفي جمل، وعشرة آلاف رأس غنم، وحسمت مادتهم في ذلك الوقت.
وفيها: في يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي القعدة عزل شمس الدين ابن الحريري عن قضاء الحنفية بالقاضي جلال الدين أبي حسام الدين على قاعدته وقاعدة أبيه من قبله، وذلك باتفاق من الأمير سنقر الأعسر والنائب جمال الدين أقوش الأفرم.
وفيها: استقال الأمير كراي السلحدار من نيابة صفد، فأقيل، وجهز إليها عوضاً عنه الأمير بتخاص المنصوري من دمشق.
وفيها: استعفى سيف الدين قطلوبك من نيابة الحصون، فأعفي، وجهز إليها من دمشق سيف الدين أسندمر الكرجي، وأعيد قطلوبك إلى دمشق، فاستقر من أمرائها.
وفيها: ولي الأمير فارس الدين البكي الظاهري نيابة السلطة بحمص، وجهز الأمير قفجق إلى الشوبك وأعطى بأعمالها إقطاعاً.
وفيها: ألزمت السلطنة طائفتي النصارى واليهود بمصر والشام بلبس العمائم الغيار، فألبس النصارى عمائم زرقاء، واليهود عمائم صفراء، والسامرة بالشام عمائم حمراء، وغلقت كنائسها، ثم فتح بعضها أولاً فاولاً، ثم اتفق أن بعض أكابر النصارى سعى في فتح كنيسة وفتحها، واشتهر ذلك بين العامة، فوقفت حرافيش كثيرة للنائب والأمراء بسبب ذلك.
وقالوا أيضاً: إن بعض النصارى تكبروا عن لبس الأزرق، وإن بعضهم احتمى ببعض أكابر الأمراء، فاقتضى رأيهم بإشهار النداء، فأمروا والي القاهرة بالمناداة في مصر والقاهرة بأن كل من لا يلبس الزرق من النصارى، أو الصفر من اليهود ينهبه العامة، ويستحل ماله وحريمه، وأن لا يستخدم نصراني عند أمير ولا في شغل من أشغال السلطنة إلا إذا أسلم، فتسلطت عليهم العامة من الحرافيش وغيرهم، فمن رأوا منهم ما عمل بموجب النداء ضربوه إلى أن كاد أن يقتلوه، وكذا إذا رأوا أحداً منهم راكباً على حمار من غير أن يثني رجله عليها، فصار كثير منهم لا يجترئ على الركوب ويمشي في الطريق وهو خائف على نفسه وأسلمت منهم جماعة كثيرة.