وقال صاحب النزهة: ولما تكامل أمر النفقة نودي في الجند بالخروج، وأي من تخلف شنق، وكان قد حصل للجند تعب كثير بسبب نقص الذهب، فإن النفقات كلها كانت ذهباً، وكان صرف الدينار بخمسة وعشرين ونصفاً، فتناقص إلى أن أصرفوا الدينار بستة عشر حتى قام نائب السلطان في ذلك وطلب الوالي وأمره أن ينزل إلى الصيارف ويلزمهم بإخراج الدراهم وصرف كل دينار بعشرين، فنزل الوالي وهو ناصر الدين الشيخي وفعل ما أمره به حتى استقرت الأحوال.

ثم خرج السلطان والأمراء من مصر في العشر الأول من رجب من هذه السنة، فكان بين دخوله مصر وإقامته وبين خروجه ثاني مرة شهرين وثمانية وعشرين يوماً، فإنه دخل في الثاني عشر من ربيع الآخر وخرج في العشر الأول من رجب.

ولما دخل السلطان الصالحية وردت كتب قفجق وبكتكر السلحدار وألبكي بخروج التتار من دمشق وسائر الأماكن، وأنهم قاصدون الديار المصرية لخدمة السلطان ويستعيذون مما صدر عنهم مما قدّره الله عليهم. فلما وقعت الأمراء على ذلك اقتضى رأيهم أن يقيم السلطان على الصالحية إلى أن يشبع الصيد والتفرج، ثم إن شاء يدخل مصر وإن شاء يقيم هناك، وأن الأمراء يرحلون ويلاقون الأمراء الذين يحضرون، ثم رحلوا طالبين دمشق، فلما وصلوا إلى أرض عسقلان لاقوا قفجق ومن معه بين غزة وعسقلان. فلما تلاقوا ترجلوا كلهم وتعانقوا وتباكوا، ولم يزالوا حتى دخلوا دمشق، وكان يوم دخولهم نهاراً عظيماً وكان في مستهل شعبان، وخرجت سائر أهل دمشق ولاقوهم، وكان يوماً مشهوداً، ثم كتبوا كتباً لسائر النواب وأهل القلاع، وسيّروا بين يديه لسائر نواحي الشام وطرابلس وحماة وحمص وحلب، وللقلاع التي في بلاد حلب نحو كختا وكركر وبهسني وعينتاب وسائر النواحي، وجلبت أهل الضياع الخيرات من سائر النواحي، وجلبت التركمان الأغنام، وكان سعر الغلة قد تحسن فوصلت الغرارة من القمح إلى ثلاثمائة، ثم انحط قليلاً قليلاً إلى أن بقيت الغرارة بمائة وخمسين، وكان الرطل من الحم بدرهمين، وكثر الجلب، وطابت قلوبهم، ووقفت الدماشقة للأمراء واستغاثوا من جماعة منهم وافقوا المغل في أخذ أموال الناس والأذى، وكانوا يدخلون معهم بيوت السعداء والأكابر من أهل دمشق ويأخذون أموال لهم ويعاقبونهم، فرسم الأمراء لوالي المدينة ووالي البرّ أن يحصّلاهم وكانوا قد أخفوا أنفسهم، فأخرجوهم من المواضع التي اختفوا فيها، فلما أحضروهم أمروا بإشهارهم فكان منهم الشريف القمي، فرسم بتسميره وتسمير ابن العوفي، وكانا برددارية، ومنهم ابن خطليجا شنق وكان كاتب خطبه الولاية، وإبراهيم مؤذن بيت لهيا، ومنهم كجكن والحاج مندوه سمّرا، وقطع لسان ابن طاعن، ثم يده ورجله، وقطع يد الشجاع همام، ثم كحل وتوفي في ليلته، وقطعت أيدي جماعة وأرجلهم، وكحلت جماعة من المستصنعية بدار الولاية، ومن الحرافيش الذين عرفتهم الدماشقة وكانوا يؤذون الناس مع المغل ويأخذون أموالهم، ثم طلب الأمير سيف الدين أرجواش نائب القلعة وخلع عليه خلعة سنية، ورسم له بعشرة آلاف درهم إنعاماً عليه، ثم عادوا طالبين مصر، فوصلوا إليها في العشرين من شوال، وركب السلطان إلى ملاقاتهم، وصحبته الأمير سيف الدين قفجق وبكتمر السلحدار وفارس الدين ألبكي.

ذكر ما تجدّد في الشام من الحوادث

بتاريخ يوم الخميس النصف من شعبان أعيد القاضي بدر الدين بن جماعة إلى قضاء قضاة دمشق مع الخطابة بعد إمام الدين القزويني، ولبس الخلعة، ولبس معه في هذا اليوم أمين الدين العجمي خلعة الحسبة.

وفي الحادي والعشرين من شعبان: تولى قضاء الحنفية شمس الدين بن الصفي، عوضاً عن حسام الدين الرازي الذي فقد يوم المعركة، وباشر تاج الدين ابن الشيرازي نظر الدواوين.

وفيها: ألزموا الناس بتعليق الأسلحة على الدكاكين، وعملوا لكل سوق مقدّما.

وفيها: طلب المقدمون من قيس ويمن، وطلب منهم جميع ما اعتمده العربان من أصحابهم من الفساد وأخذ أموال الأجناد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015