ومنها أنه وقعت في هذه السنة أعجوبة، وهي أن بعض الأمراء بالقاهرة كان جالسا على باب داره، وإذا بامرأة فقيرة تسأل، وهي من أحسن الناس صورة، فاستوقفها، وقال للخادم: خذ هذه وادخل بها الدار، واطعمها حتى تشبع، وكان ذلك من قوة الجاه، فدخل بها الخادم، وأحضر لها رغيفا فأكلته، ثم أحضر ثانيا فأكلته، ثم أحضر ثالثا فأكلته، ثم قال الأمير: هاتوا لها زبدية طعام لأجل الدسم، فأحضروا لها خافقية كبيرة، فأكلت أكثرها، ثم استندت إلى الحائط لتستريح، فإذا بها قد ماتت، ووجدوا على كتفها جرابا مسحورة باقى ما فيه يدر صغير ورجله.
ومنها أنه ظهر بدمشق قتل فاحش، فكان كل يوم يوجد اثنان وثلاثة مقتولين، ولم يدروا ذلك حتى أتى.. .. حتى حضر والي المدينة، وأرصد جماعة.... أبوابا للدروب، وبقى يركب طول الليل دابته ويدور البلد، والأمر في تزايد والأقاويل مختلفة، وفي بعض الليالي مسكوا فقيرا مولها فاعترف أنه هو الذي يقتل، فأخذوه وسمروه، فسكن الناس واطمأنوا.
ومنها في العشر الأول من المحرم أشاع في دمشق حديث عن قاض قرية عسال من قرى دمشق، أنه تكلم ثور في القرية المذكورة، وهو أنه خرج ليشرب من ماء هناك ومعه صبي، فلما فرغ من شربه حمد الله تعالى، فسمعه الصبي، وحكى ذلك لمالك الثور، فأنكره، وخرج في اليوم الثاني سقيه مع الثور، فلما شرب حمد الله، وحدث بذلك الحاضرين هناك، ثم قال الثور أن الله كان قد كتب على الأمة سبع سنين جدبا، ولكن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أبدلها بالخصب، وذكر أن النبي عليه السلام أمره تبليغ ذلك، وأنه قال له: يا رسول الله ما علامة صدقي عندهم؟ ، فقال: أن تموت عقيب الإخبار. قال الحاكي: ثم قدم الثور إلى مكان مرتفع فمات، فأخذ أهل تلك القرية من شعره للتبرك، ثم كفن ودفن.
ومنها ما قال بيبرس في تاريخه: جردت إلى الإسكندرية، وكان قد بلغ زين الدين كتبغا قبل سفره إلى الشام أن العربان الذين ببرقة قد عبثوا بالمسلمين، وباعوا منهم جماعة للفرنج، وأن منصور بن روق كان الباعث على بيعهم بسبب الغلاء الذي عم تلك البلاد، وأحوج الأباء إلى بيع الأولاد، فوردت إلي مكاتبات العادل بالتوجه إلى برقة ومقاتلة هؤلاء إن كان ما نقل عنهم حق، وجرد الأمير سيف الدين بلبان الحبشي وأصحابه وجماعة من الحلقة، فعزمنا على التوجه إلى الجهة الغربية، وبرز من ثغر الإسكندرية، ونزلنا على تروجة، فبينما نحن عليها نازلون وللرحلة مزمعون، ورد البريد يخبر بخلع زين الدين كتبغا من الدست واستقرار الأمير حسام الدين لاجين المنصوري في الأمر، ورسم لنا بالعود إلى القلعة، فعدنا في أوائل سنة ست وتسعين وستمائة.
ومنها: أنه ولى القضاء بالديار المصرية على الطائفة الشافعية الشيخ تقي الدين محمد بن علي بن أبي العطايا القشيري المعروف بابن دقيق العيد، بعد وفاة القاضي تقي الدين عبد الرحمن بن القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز، وكانت وفاته في نصف جمادى الأولى، وتولية المذكور في الحادي والعشرين منه.
وفي نزهة الناظر: ولما مات ابن بنت الأعز اتفقت الأمراء والأكابر على تولية الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وعرفوا السلطان دينه وعلمه، وأنه قد عرض عليه القضاء قبل ذلك مرارا فلم يقبل، فنزلت إليه الأمراء وسألوه فأجاب إليهم، وهو أول من لبس الصوف من القضاة في السلطنة.
قال المؤرخ: وبلغني من شيخ الحديث فتح الدين بن سيد الناس أن ولد الشيخ قال للشيخ: يا سيدي كيف قبلت الولاية في هذا الوقت وقد كنت تأبى عنها؟ فقال له يا ولدي: وجب ذلك على من وجوه. أحدها: أنه ليس لي شيء يكفيني للعيال، والثاني: عندي كتب العلم فأحتاج أن أبيع الكتاب الذي يساوي مائة بخمسين درهما. والثالث: لم يبق لتولية القضاء من هو أحق مني بالولاية، فتعين على.
ولما ولى كتب بخطه لسائر نوابه وهو يحذرهم وينذرهم ويخوفهم من الله، ونسخة الكتاب: