في تاسع عشر رمضان منها، أعنى من سنة أربع وستين وستمائة، ونزل السلطان الملك الظاهر على صفد في الثامن من شهر شعبان، وقد جمع لحصارها العساكر المصرية والشامية، وأحضر إليها المجانيق، واستمر القتال فحملتها الرجالة على أعناقهم وحاصرها حصاراً شديداً وأخذت النفوس، فسلموا الباشورة في خامس عشر الشهر، واشتد على الفرنج الحصار، وامتد للمسلمين الإستظهار، فأرسلوا في طلب الأمان، فأجيبوا إليه في تاسع عشر الشهر، وفتحت أبوابها، وطلعت عليها السناجق، وتسلمها السلطان، وأخرج أهلها، وأمر بأن يجمعوا على تل هناك كانوا يجتمعون فيه لقطع الطريق على المسلمين، وأن تسفك دماؤهم حيث كانوا يسفكون الدماء الحرام، فأذيقوا هنالك طعم الحمام.

ونقل السلطان إليها ما يحتاج إليه من الآلات والزردخانات، وأحضر جماعة من الرجالة الدمشقيين، فرتبهم بها، وقرر لهم الجامكيات والجرايات، ورتب للقلعة كفايتها من النفقات، وعمر فيها جامعاً في ريضها للصلوات، ورحل عنها متوجها إلى دمشق ودخلها في الخاسم من ذي القعدة وأقام بها.

ذكر غزاة سيس

ولما استقر ركاب السلطان في دمشق جرد العساكر للإغارة على سيس، صحبة الملك المنصور صاحب حماة، وقدم على العسكر الأمير سيف الدين قلاون، والأمير عزالدين يوغان الركنى سمّ الموت، فساروا ودخلوا دربساك، ومنه إلى الدربند، وكان الملك) (هيثوم بن قسطنطين بن باساك قد ملك ولده ليفون وانقطع مترهِبا، وبنى ليفون أبراجا لينتعع بها، فكانت كقول الشاعر:

ةوإن يَبْن حِيطاناً عليه فإنما ... أولئك عقالاته لا معاقِله

ولما خرجت العساكر من الدربند، وجدوا الأرمن على سطح الجبل، قد صفوا الصفوف، واستعدوا للوقوف؛ بل للحتوف، فالتقوا معهم، وصدموهم صدمة كانت السكرة فيها عليهم. وأخذوا ليفون أسيروا وولده معهم، وقتلوا عمه وأخاه، وانهزم عمه الآخر المسمى كنداسطيل، وصاحب حموص، وتمزقت منهم جماعة، وقتلت أكابرهم، وأغارت العساكر على كرنجيل وسرفند كار، وتل حمدون، ونهرجان، ونزلوا من هنالك إلى مكان قريب من قلعة تسمى العمودين، فأصابوا جماعة كثيرة من التتار وغيرهم، وقتلوا ما شاء الله منهم، وسبوا سباياهم، وأخربوا القلعة وأحرقوها، ودخلواالى سيس فأخربوها، وتركوها خاوية على عروشها، وهدموا قلعة الديوية المعروفة بالساب، وغنمت العساكر في هذه الغزاة مالا يحصى كثرة، وبيع الراس البقر بدرهمين لكثرة المواشي التي أصابوها، وأرسلوا إلى السلطان يخبرونه بالنصرة، ويبشرونه بأن له الظفر ولأعدائه الكسرة.

وكان الذي بعث به الأمير عز الدين سم الموت جنديا من أجناده اسمه كرجى، فسبق إلى الدهليز، وبشر السلطان وعرفه صورة الغزاة وكيفية الغارات، فرأى فيه شهامة، ولمح منه نقمة وصرامة، فسأله عن شأنه فأخبره أنه من أجناد الأمير المشار إليه، فأنعم عليه وأمره بطبلخاناة، ولم يزل مستمرا على الإمرة إلى حين وفاته في الدولة الأشرفية.

ذكر رحيل السلطان من دمشق

ولما سمع السلطان من الجندى المذكور بشارة للفتح رحل من دمشق نحو حماة، ومنها إلى أفامية لملتقى العسكر، وعاد ودخل دمشق، وملوك الأرمن قدامه راكبين، وأسراهم مساقين أمامه، والعساكر الشامية والمصرية قد طلبت وتجملت.

وقال أبو شامة: وكان دخول السلطان دمشق في الخامس والعشرين من ذي الحجة، فدخلها وبين يديه ابن صاحب سيس، وسائر الملوك الذين اسرهم لما أخذ بلادهم على نهر جيحان، وكان يوما مشهودا.

قال أبو شامة: وفي بكرة يوم الاثنين السادس والعشرين من ذي القعدة قرىء بجامع دمشق كتاب ورد من بلاد الأرمن السيس وما يجاورها، يتضمن أن المسلمين من عسكر صاحب الشام ومصر الملك الظاهر بيبرس الذين سيرهم إليها في هذه السنة دخلوها عنوة، واستولوا عليه قتلاً ونهبا، وأسر ملكها، وقتل أخوه وجماعة من ملوك الأرمن، وكان ذلك يوم الثلاثاء العشرين من ذي القعدة سنة أربع وستين وستمائة، وكان هذا الملعون قد فتك في المسلمين، وظاهر عليهم العدو من التتار، وعلم في حلب لما فتحها التتار أموراً منكرة، واستولى على أكثر نسائها وأطفالها أسراً، وتقدم إلى بلاد الإفرنج والروم براً وبحراً تحت الذل والصغار، فأمكن الله منه ومن بلاده وأخذ بثأر الاسلام.

ذكر إيقاع السلطان بأهل قارا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015