الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأرض الداخلية، وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية لذلك وضع أسس سياسة متكاملة تتضمّن توحيد بلاد الشام أولاً، ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي كانت تعاني من الاضطرابات وفوضى الحكم ثانياً، وطرد الصليبيين في المنطقة ثالثاً وكان سبيله إلى ذلك مزيجاً من العمل السياسي والمعارك العسكرية والنشاط الثقافي العلمي والتربوي - التي تخدم توحيد الصف والهدف.
116. استطاعت دمشق بدعم من نور الدين وسيف الدين زنكي من صد هجوم الحملة الصليبية الثانية وقد ترتب على فشل الحملة الصليبية الثانية مجموعة من النتائج منها أججت الغرب أوروبي تجاه الأمبراطورية البيزنطية، وأثرت على طبيعة الوجود الصليبي، وأوضحت عجز الكيان الصليبي بإمكاناته المحلية عن تغيير واقع عام 539هـ/1144م وحتى مع الاعتماد على الوطن الأم عجز أيضاً وتعليل ذلك إلى جانب أخطاء الصليبيين القاتلة أن حركة الجهاد الإسلامي حينذاك وصلت إلى درجة لن تستطيع أن تعود معها عقارب الساعة إلى الوراء بل من الآن فصاعداً الإنجاز وراء الآخر حتى يتم طرد الصليبيين نهائياً من المنطقة لتصحيح خطأ الإنقسام الإسلامي الذي مهد للغزاة للقدوم للمنطقة.
117. حرص نور الدين على ضم دمشق وكانت خطته للإستيلاء على دمشق سلمياً تقتضي العمل على ثلاثة محاور، فالمحور الأول؛ يتمثل على توجيه حملة دعائية عامة إلى أهالي دمشق يتم خلالها إبراز الأحوال السيئة والأوضاع المتردية التي تسود إمارتهم بسبب سوء إدارة حكامها وفسادهم وتعاملهم مع الأعداء والمحور الثاني: العمل على الاتصال سراً بوجوه مدينة دمشق وأعيانها من كبار التجار والقضاة والعلماء وبعض قادة الجند وقادة التنظيمات الشعبية، لاستغلال نفوذهم وتأثيرهم لصالح التغيير المطلوب في الوقت المناسب والمحور الثالث؛ أخذ نور الدين يراسل مجير الدين آبق ويستشيره في أمور المسلمين ويتقرب إليه بالهدايا حتى أطمأن إليه ووثق به، ثم أخذ يوقع بينه وبين قادته وأمرائه ونجحت المحاور الثالثة وتّم في النهاية ضم دمشق لجبهة المقاومة الإسلامية، وشكل هذا العمل نقطة تحول هامة في تاريخ الحروب الصليبية بفعل أنه ترتب على هذا التحول وحدة بلاد الشام الإسلامية تحت زعامة نور الدين محمود.
118. عمل نور الدين على ضم القوى الإسلامية وعلى إسقاط نفوذ الأسر الحاكمة في المدن والبقاع الشمالية، فاستطاع ضم شيزر عام 552بعد الزلزال التي أصابها، فجدد أسوارها ودخلت شيزر في دولة نور الدين، وضم بعلبك وانتزعها من الأسرة الجندلية